المخاطبين فالمراد منها التعريض بالكافرين بأنهم لا يخافون وعيد الله ، ولو لا ذلك لكانت جملة (خافَ مَقامِي) تغني عن هذه الجملة ، فإن المشركين لم يعبئوا بوعيد الله وحسبوه عبثا ، قال تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) [سورة الحج : ٤٧] ، ولذلك لم يجمع بينهما في سورة البينة [٨](ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) ، لأنه في سياق ذكر نعيم المؤمنين خاصة.
وهذه الآية في ذكر إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين أرضهم فكان المقام للفريقين ، فجمع في جزاء المؤمنين بإدماج التعريض بوعي الكافرين ، وفي الجمع بينهما دلالة على أن من حق المؤمن أن يخاف غضب ربه وأن يخاف وعيده ، والذين يخافون غضب الله ووعيده هم المتقون الصالحون ، فآل معنى الآية إلى معنى الآية الأخرى (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) [سورة الأنبياء : ١٠٥].
وقرأ الجمهور (وَعِيدِ) بدون ياء وصلا ووقفا. وقرأه ورش عن نافع ـ بدون ياء ـ في الوقف وبإثباتها في الوصل. وقرأه يعقوب ـ بإثبات الياء ـ في حالي الوصل والوقف. وكل ذلك جائز في ياء المتكلم الواقعة مضافا إليها في غير النداء. وفيها في النداء لغتان أخريان.
[١٥ ـ ١٧] (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧))
جملة (وَاسْتَفْتَحُوا) يجوز أن تكون معطوفة على جملة (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ) ، أو معترضة بين جملة (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ) وبين جملة (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ). والمعنى : أنهم استعجلوا النصر. وضمير (اسْتَفْتَحُوا) عائد إلى الرسل ، ويكون جملة (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) عطفا على جملة (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ) إلخ ، أي فوعدهم الله النصر وخاب الذين كفروا ، أي لم يتحقق توعدهم الرسل بقولهم : (لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا). ومقتضى الظاهر أن يقال : وخاب الذين كفروا ، فعدل عنه إلى (كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) للتنبيه على أن الذين كفروا كانوا جبابرة عنداء وأن كل جبار عنيد يخيب.
ويجوز أن تكون جملة (اسْتَفْتَحُوا) عطفا على جملة (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ) ويكون ضمير (اسْتَفْتَحُوا) عائدا على الذين (كَفَرُوا) ، أي وطلبوا النصر على رسلهم فخابوا في ذلك. ولكون في قوله : (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) إظهار في مقام الإضمار عدل