إخوتهما أشدّ من رجائه منهما ، بناء على ما هو الشائع عند عامّة أهل البدو من الاعتزاز بالكثرة ، فظنوا مدارك يعقوب ـ عليهالسلام ـ مساوية لمدارك الدّهماء ، والعقول قلما تدرك مراقي ما فوقها ، ولم يعلموا أنّ ما ينظر إليه أهل الكمال من أسباب التفضيل غير ما ينظره من دونهم.
وتكون جملة (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) تعليلا للتعجّب وتفريعا عليه ، وضمير (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) لجميع الإخوة عدا يوسف ـ عليهالسلام ـ وأخاه. ويجوز أن تكون جملة (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) عطفا على جملة (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا). والمقصود لازم الخبر وهو تجرئة بعضهم بعضا عن إتيان العمل الذي سيغريهم به في قولهم : (اقْتُلُوا يُوسُفَ) سورة يوسف : ٩] ، أي إنّا لا يعجزنا الكيد ليوسف ـ عليهالسلام ـ وأخيه فإنّا عصبة والعصبة يهون عليهم العمل العظيم الذي لا يستطيعه العدد القليل كقوله : (قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) [سورة يوسف : ١٤] ، وتكون جملة (إِنَّ أَبانا) تعليلا للإغراء وتفريعا عليه.
و «العصبة : اسم جمع لا واحد له من لفظه ، مثل أسماء الجماعات ، ويقال : العصابة. قال جمهور اللّغويين : تطلق العصبة على الجماعة من عشرة إلى أربعين». وعن ابن عبّاس أنّها من ثلاثة إلى عشرة ، وذهب إليه بعض أهل اللغة وذكروا أنّ في مصحف حفصة قوله تعالى : «إن الذين جاءوا بالإفك عصبة أربعة (مِنْكُمْ).
وكان أبناء يعقوب ـ عليهالسلام ـ اثني عشر ، وهم الأسباط. وقد تقدّم الكلام عليهم عند قوله تعالى : أم يقولون (إِنَّ إِبْراهِيمَ) الآية في سورة البقرة [١٤٠].
والضلال إخطاء مسلك الصّواب. وإنّما : أراد وأخطأ التّدبير للعيش لا الخطأ في الدين والاعتقاد. والتخطئة في أحوال الدّنيا لا تنافي الاعتراف للمخطئ بالنبوءة.
(اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩))
جملة مستأنفة استئنافا بيانيّا لأنّ الكلام المتقدم يثير سؤالا في نفوس السّامعين عن غرض القائلين ممّا قالوه فهذا المقصود للقائلين. وإنّما جعلوا له الكلام السابق كالمقدمة لتتأثّر نفوس السّامعين فإذا ألقي إليها المطلوب كانت سريعة الامتثال إليه.