ومعنى (يُسِيغُهُ) يفعل سوغه في حلقه. والسوغ ؛ انحدار الشراب في الحلق بدون غصة ، وذلك إذا كان الشراب غير كريه الطعم ولا الريح ، يقال ساغ الشراب ، وشراب سائغ. ومعنى (لا يَكادُ يُسِيغُهُ) لا يقارب أن يسيغه فضلا عن أن يسيغه بالفعل ، كما تقدم في قوله تعالى : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) في سورة البقرة [٧١].
وإتيان الموت : حلوله ، أي حلول آلامه وسكراته ، قال قيس بن الخطيم :
متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة |
|
لنفسي إلا قد قضيت قضاءها |
بقرينة قوله : (وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) ، أي فيستريح.
والكلام على قوله : (وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) مثل الكلام في قوله : (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) ، أي ينتظره عذاب آخر بعد العذاب الذي هو فيه.
والغليظ : حقيقته الخشن الجسم ، وهو مستعمل هنا في القوة والشدة بجامع الوفرة في كل ، أي عذاب ليس بأخف مما هو فيه. وتقدم عند قوله : (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) في سورة هود [٥٨].
(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨))
تمثيل لحال ما عمله المشركون من الخيرات حيث لم ينتفعوا بها يوم القيامة. وقد أثار هذا التمثيل ما دلّ عليه الكلام السابق من شدة عذابهم ، فيخطر ببالهم أو ببال من يسمع من المسلمين أن يسأل نفسه أن لهم أعمالا من الصلة والمعروف من إطعام الفقراء ، ومن عتق رقاب ، وقرى ضيوف ، وحمالة ديات ، وفداء أسارى ، واعتمار ، ورفادة الحجيج ، فهل يجدون ثواب ذلك؟ وأن المسلمين لما علموا أن ذلك لا ينفع الكافرين تطلبت نفوسهم وجه الجمع بين وجود عمل صالح وبين عدم الانتفاع به عند الحاجة إليه ، فضرب هذا المثل لبيان ما يكشف جميع احتمالات.
والمثل : الحالة العجيبة ، أي حال الذين كفروا العجيبة أن أعمالهم كرماد إلخ. فالمعنى: حال أعمالهم ، بقرينة الجملة المخبر عنها لأنه مهما أطلق مثل كذا إلا والمراد حال خاصة من أحواله يفسرها الكلام ، فهو من الإيجاز الملتزم في الكلام.
فقوله : (أَعْمالُهُمْ) مبتدأ ثان ، و (كَرَمادٍ) خبر عنه ، والجملة خبر عن المبتدإ