الأول.
ولما جعل الخبر عن (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، (أَعْمالُهُمْ) آل الكلام إلى أن مثل أعمال الذين كفروا كرماد.
شبهت أعمالهم المتجمعة العديدة برماد مكدّس فإذا اشتدت الرياح بالرماد انتثر وتفرق تفرقا لا يرجى معه اجتماعه. ووجه الشبه هو الهيئة الحاصلة من اضمحلال شيء كثير بعد تجمعه ، والهيئة المشبهة معقولة.
ووصف اليوم بالعاصف مجاز عقلي ، أي عاصف ريحه ، كما يقال : يوم ماطر ، أي سحابه.
والرماد : ما يبقى من احتراق الحطب والفحم. والعاصف تقدم في قوله : (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ) في سورة يونس [٢٢].
ومن لطائف هذا التمثيل أن اختير له التشبيه بهيئة الرماد المتجمع ، لأن الرماد أثر لأفضل أعمال الذين كفروا وأشيعها بينهم وهو قرى الضيف حتى صارت كثرة الرماد كناية في لسانهم عن الكرم.
وقرأ نافع وأبو جعفر اشتدت به الرياح. وقرأه البقية (اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ) بالإفراد ، وهما سواء لأن التعريف تعريف الجنس.
وجملة (لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ) بيان لجملة التشبيه ، أي ذهبت أعمالهم سدى فلا يقدرون أن ينتفعوا بشيء منها.
وجملة (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) تذييل جامع لخلاصة حالهم ، وهي أنها ضلال بعيد.
والمراد بالبعيد البالغ نهاية ما تنتهي إليه ماهيته ، أي بعيد في مسافات الضلال ، فهو كقولك : أقصى الضلال أو جدّ ضلال ، وقد تقدم في قوله تعالى : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) في سورة النساء [١١٦].
[١٩ ، ٢٠] (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (٢٠))