وعلى تفسير (دارَ الْبَوارِ) بأرض بدر يكون قوله : (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها) جملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا. وانتصاب جهنم على أنه مفعول لفعل محذوف يدل عليه فعل (يَصْلَوْنَها) على طريقة الاشتغال.
وما يروون عن عمر بن الخطاب ـ رضياللهعنه ـ وعن عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ أن (الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) هم الأفجران من قريش : بنو أمية وبنو المغيرة بن مخزوم ، قال : فأما بنو أمية فمتّعوا إلى حين وأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر. فلا أحسبه إلا من وضع بعض المغرضين المضادين لبني أمية. وفي روايات عن عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ أنه قال : هم كفار قريش ، ولا يريد عمر ولا علي ـ رضياللهعنهما ـ من أسلموا من بني أمية فإن ذلك لا يقوله مسلم فاحذروا الأفهام الخطأة. وكذا ما روي عن ابن عباس : أنهم جبلة بن الأيهم ومن اتبعه من العرب الذين تنصروا في زمن عمر وحلّوا ببلاد الروم ، فإذا صح عنه فكلامه على معنى التنظير والتمثيل وإلا فكيف يكون هو المراد من الآية وإنما حدث ذلك في خلافة عمر بن الخطاب ـ رضياللهعنه ـ.
وجملة (وَبِئْسَ الْقَرارُ) عطف على جملة (يَصْلَوْنَها) ، أو حال من (جَهَنَّمَ). والتقدير : وبئس القرار هي.
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠))
عطف على (بَدَّلُوا) و (أَحَلُّوا) ، فالضمير راجع إلى (الَّذِينَ) وهم أئمة الشرك. والجعل يصدق باختراع ذلك ما فعل عمرو بن لحي وهو من خزاعة. ويصدق بتقرير ذلك ونشره والاحتجاج له ، مثل وضع أهل مكة الأصنام في الكعبة ووضع هبل على سطحها.
والأنداد : جمع ندّ بكسر النون ، وهو المماثل في مجد ورفعة ، وتقدم عند قوله تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) في سورة البقرة [٢٢].
وقرأ الجمهور (لِيُضِلُّوا) ـ بضم الياء التحتية ـ من أضل غيره إذا جعله ضالا ، فجعل الإضلال علة لجعلهم لله أندادا ، وإن كانوا لم يقصدوا تضليل الناس وإنما قصدوا مقاصد هي مساوية للتضليل لأنها أوقعت الناس في الضلال ، فعبر على مساوي التضليل بالتضليل لأنه آيل إليه وإن لم يقصدوه ، فكأنه قيل : للضلال عن سبيله ، تشنيعا عليهم بغاية فعلهم وهم ما أضلوا إلا وقد ضلّوا ، فعلم أنهم ضلوا وأضلوا ، وذلك إيجاز.