من ذلك ، ولذلك اختير المضارع مع تقدير لام الأمر دون صيغة فعل الأمر لأن المضارع دال على التجدد ، فهو مع لام الأمر يلاقي حال المتلبس بالفعل الذي يؤمر به بخلاف صيغة (افعل) فإن أصلها طلب إيجاد الفعل المأمور به من لم يكن ملتبسا به ، فأصل (يُقِيمُوا الصَّلاةَ) ليقيموا ، فحذفت لام الأمر تخفيفا.
وهذه هي نكتة ورود مثل هذا التركيب في مواضع وروده ، كما في هذه الآية وفي قوله (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) في سورة الإسراء [٥٢] ، أي قل لهم ليقيموا وليقولوا ، فحكي بالمعنى.
وعندي : أن منه قوله تعالى : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) في سورة الحجر [٣] ، أي ذرهم ليأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل. فهو أمر مستعمل في الإملاء والتهديد ، ولذلك نوقن بأن الأفعال هذه معمولة للام أمر محذوفة. وهذا قول الكسائي إذا وقع الفعل المجزوم بلام الأمر محذوفة بعد تقدم فعل (قُلْ) ، كما في «مغني اللبيب» ووافقه ابن مالك في «شرح الكافية». وقال بعضهم : جزم الفعل المضارع في جواب الأمر ب (قُلْ) على تقدير فعل محذوف هو المقول دل عليه ما بعده. والتقدير : قل لعبادي أقيموا يقيموا وأنفقوا ينفقوا. وقال الكسائي وابن مالك إن ذلك خاص بما يقع بعد الأمر بالقول كما في هذه الآية ، وفاتهم نحو آية (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا).
وزيادة (مِمَّا رَزَقْناهُمْ) للتذكير بالنعمة تحريضا على الإنفاق ليكون شكرا للنعمة.
و (سِرًّا وَعَلانِيَةً) حالان من ضمير (يُنْفِقُوا) ، وهما مصدران. وقد تقدم عند قوله تعالى : (سِرًّا وَعَلانِيَةً) في سورة البقرة [٢٧٤]. والمقصود تعميم الأحوال في طلب الإنفاق لكيلا يظنوا أن الإعلان يجر إلى الرياء كما كان حال الجاهلية ، أو أن الإنفاق سرا يفضي إلى إخفاء الغني نعمة الله فيجر إلى كفران النعمة ، فربما توخى المرء أحد الحالين فأفضى إلى ترك الإنفاق في الحال الآخر فتعطل نفع كثير وثواب جزيل ، فبين الله للناس أن الإنفاق برّ لا يكدره ما يحف به من الأحوال ، «وإنما الأعمال بالنبات». وقد تقدم شيء من هذا عند قوله : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) [سورة التوبة : ٧٩] الآية.
وقيل المقصود من السر الإنفاق المتطوع به ، ومن العلانية الإنفاق الواجب.
وتقديم السر على العلانية تنبيه على أنه أولى الحالين لبعده عن خواطر الرياء ، ولأن