فيه استبقاء لبعض حياء المتصدق عليه.
وقوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ) إلخ متعلق بفعل (يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا) ، أي ليفعلوا ذينك الأمرين قبل حلول اليوم الذي تتعذر فيه المعاوضات والإنفاق. وهذا كناية عن عظيم منافع إقامة الصلاة والإنفاق قبل يوم الجزاء عنهما حين يتمنون أن يكونوا ازدادوا من ذينك لما يسرهم من ثوابهما فلا يجدون سبيلا للاستزادة منهما ، إذ لا بيع يومئذ فيشترى الثواب ولا خلال من شأنها الإرفاد والإسعاف بالثواب. فالمراد بالبيع المعاوضة وبالخلال الكناية عن التبرع.
ونظيره قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) في سورة البقرة [٢٥٤].
وبهذا تبين أن المراد من الخلال هنا آثارها ، بقرينة المقام ، وليس المراد نفي الخلة ، أي الصحبة والمودّة لأن المودّة ثابتة بين المتقين ، قال تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [سورة الزخرف : ٦٧]. وقد كني بنفي البيع والخلال التي هي وسائل النوال والإرفاد عن انتفاء الاستزادة.
وإدخال حرف الجر على اسم الزمان وهو (قَبْلِ) لتأكيد القبلية ليفهم معنى المبادرة.
وقرأ الجمهور (لا بَيْعٌ) بالرفع. وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب بالبناء على الفتح. وهما وجهان في نفي النكرة بحرف (لا).
[٣٢ ـ ٣٤] (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤))
استئناف واقع موقع الاستدلال على ما تضمنته جملة (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) الآية. وقد فصل بينه وبين المستدل عليه بجملة (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) الآية. وأدمج في الاستدلال تعدادهم لنعم تستحق الشكر عليها ليظهر حال الذين كفروها ، وبالضد حال الذين شكروا عليها ، وليزداد الشاكرون شكرا. فالمقصود الأول هو