وأنّما لم يدبروا شيئا في إعدام أخي يوسف ـ عليهالسلام ـ شفقة عليه لصغره.
وإقحام لفظ (قَوْماً) بين كان وخبرها للإشارة إلى أنّ صلاح الحال صفة متمكّنة فيهم كأنّه من مقوّمات قوميّتهم. وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) في سورة البقرة [١٦٤] وعند قوله تعالى : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) في سورة يونس [١٠١].
وهذا الأمر صدر من قائله وسامعيه منهم قبل اتّصافهم بالنبوءة أو بالولاية لأنّ فيه ارتكاب كبيرة القتل أو التّعذيب والاعتداء ، وكبيرة العقوق.
(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠))
فصل جملة (قالَ قائِلٌ) جار على طريقة المقاولات والمحاورات ، كما تقدّم في قوله تعالى : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) في سورة البقرة [٣٠].
وهذا القائل أحد الإخوة ولذلك وصف بأنّه منهم.
والعدول عن اسمه العلم إلى التنكير والوصفيّة لعدم الجدوى في معرفة شخصه وإنّما المهمّ أنّه من جماعتهم. وتجنّبا لما في اسمه العلم من الثقل اللفظي الذي لا داعي إلى ارتكابه. قيل : إنّه (يهوذا) وقيل : (شمعون) وقيل (روبين) ، والذي في سفر التّكوين من التّوراة أنه (راوبين) صدّهم عن قتله وأن يهوذا دل عليه السيارة كما في الإصحاح ٣٧. وعادة القرآن أن لا يذكر إلّا اسم المقصود من القصّة دون أسماء الذين شملتهم ، مثل قوله : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [سورة غافر : ٢٨].
والإلقاء : الرمي.
والغيابات : جمع غيابة ، وهي ما غاب عن البصر من شيء. فيقال : غيابة الجبّ وغيابة القبر والمراد قعر الجبّ.
والجبّ : البئر التي تحفر ولا تطوى.
وقرأ نافع ، وأبو جعفر «غيابات» بالجمع. ومعناه جهات تلك الغيابة ، أو يجعل الجمع للمبالغة في ماهية الاسم ، كقوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) [سورة النور : ٤٠] وقرأ الباقون (فِي غَيابَتِ الْجُبِ) بالإفراد.