فالإنسان هو المشرك ، مثل الذي في قوله تعالى : (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) [سورة مريم : ٦٦] ، وهو استعمال كثير في القرآن.
وصيغتا المبالغة في (لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) اقتضاهما كثرة النعم المفاد من قوله : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) ، إذ بمقدار كثرة النعم يكثر كفر الكافرين بها إذ أعرضوا عن عبادة المنعم وعبدوا ما لا يغني عنهم شيئا ، فأما المؤمنون فلا يجحدون نعم الله ولا يعبدون غيره.
[٣٥ ، ٣٦] (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦))
عطف على جملة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) [إبراهيم : ٢٨] فإنهم كما بدّلوا نعمة الله كفرا أهملوا الشكر على ما بوأهم الله من النعم بإجابة دعوة أبيهم إبراهيم ـ عليهالسلام ـ ، وبدلوا اقتداءهم بسلفهم الصالح اقتداء بأسلافهم من أهل الضلالة ، وبدلوا دعاء سلفهم الصالح لهم بالإنعام عليهم كفرا بمفيض تلك النّعم.
ويجوز أن تكون معطوفة على جملة (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) بأن انتقل من ذكر النعم العامة للناس التي يدخل تحت منتها أهل مكة بحكم العموم إلى ذكر النعم التي خص الله بها أهل مكة. وغير الأسلوب في الامتنان بها إلى أسلوب الحكاية عن إبراهيم لإدماج التنويه بإبراهيم ـ عليهالسلام ـ والتعريض بذريته من المشركين.
(وإذا) اسم زمان ماض منصوب على المفعولية لفعل محذوف شائع الحذف في أمثاله ، تقديره : واذكر إذ قال إبراهيم ، زيادة في التعجيب من شأن المشركين الذي مر في قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) ، فموقع العبرة من الحالين واحد.
و (رَبِ) منادى محذوف منه حرف النداء. وأصله (ربي) ، حذفت ياء المتكلم تخفيفا ، وهو كثير في المنادى المضاف إلى الياء.
والبلد : المكان المعين من الأرض ، ويطلق على القرية. والتعريف في (الْبَلَدَ) تعريف العهد لأنه معهود الحضور. و (الْبَلَدُ) بدل من اسم الإشارة.
وحكاية دعائه بدون بيان البلد إبهام يرد بعده البيان بقوله : (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ)