وحذفت ياء المتكلم في (دُعاءِ) في قراءة الجمهور تخفيفا كما تقدم في قوله تعالى : (وَإِلَيْهِ مَتابِ) في سورة الرعد [٣٠].
وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة بإثبات الياء ساكنة.
ثم دعا بالمغفرة لنفسه وللمؤمنين ولوالديه ما تقدم منه ومن المؤمنين قبل نبوءته وما استمر عليه أبوه بعد دعوته من الشرك ، أما أمه فلعلها توفيت قبل نبوءته. وهذا الدعاء لأبويه قبل أن يتبين له أن أباه عدوّ لله كما في آية سورة براءة.
ومعنى (يَقُومُ الْحِسابُ) : يثبت. استعير القيام للثبوت تبعا لتشبيه الحساب بإنسان قائم ، لأن حالة القيام أقوى أحوال الإنسان إذ هو انتصاب للعمل. ومنه قولهم : قامت الحرب على ساق ، إذا قويت واشتدت. وقولهم : ترجلت الشمس ، إذا قوي ضوؤها ، وتقدم عند قوله تعالى : و (يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) في أول سورة البقرة [٤].
[٤٢ ، ٤٣] (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣))
عطف على الجمل السابقة ، وله اتصال بجملة (قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) [سورة إبراهيم : ٣٠] الذي هو وعيد للمشركين وإنذار لهم بأن لا يغتروا بسلامتهم وأمنهم تنبيها لهم على أن ذلك متاع قليل زائل ، فأكد ذلك الوعيد بهذه الآية ، مع إدماج تسلية الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ على ما يتطاولون به من النعمة والدعة ، كما دل عليه التفريع في قوله (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) [سورة إبراهيم : ٤٧]. وفي معنى الآية قوله : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) [سورة المزمل : ١١].
وباعتبار ما فيه من زيادة معنى التسلية وما انضم إليه من وصف فظاعة حال المشركين يوم الحشر حسن اقتران هذه الجملة بالعاطف ولم تفصل.
وصيغة (لا تَحْسَبَنَ) ظاهرها نهي عن حسبان ذلك. وهذا النهي كناية عن إثبات وتحقيق ضد المنهي عنه في المقام الذي من شأنه أن يثير للناس ظنّ وقوع المنهي عنه لقوة الأسباب المثيرة لذلك. وذلك أن إمهالهم وتأخير عقوبتهم يشبه حالة الغافل عن أعمالهم ، أي تحقق أن الله ليس بغافل ، وهو كناية ثانية عن لازم عدم الغفلة وهو المؤاخذة ، فهو