للفاصلة والاهتمام بشأن يوسف ـ عليهالسلام ـ في ظاهر الأمر ، ويجوز أن يكون للقصر الادّعائي ؛ جعلوا أنفسهم لفرط عنايتهم به بمنزلة من لا يحفظ غيره ولا ينصح غيره.
وفي هذا القول الذي تواطئوا عليه عند أبيهم عبرة من تواطئ أهل الغرض الواحد على التحيّل لنصب الأحابيل لتحصيل غرض دنيء ، وكيف ابتدءوا بالاستفهام عن عدم أمنه إيّاهم على أخيهم وإظهار أنّهم نصحاء له ، وحققوا ذلك بالجملة الاسمية وبحرف التوكيد ، ثمّ أظهروا أنّهم ما حرصوا إلّا على فائدة أخيهم وأنّهم حافظون له وأكّدوا ذلك أيضا.
[١٣ ، ١٤] (قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤))
فصل جملة (قالَ) جار على طريقة المحاورة.
أظهر لهم سبب امتناعه من خروج يوسف ـ عليهالسلام ـ معهم إلى الرّيف بأنّه يحزنه لبعده عنه أيّاما ، وبأنّه يخشى عليه الذئاب ، إذ كان يوسف ـ عليهالسلام ـ حينئذ غلاما ، وكان قد ربّي في دعة فلم يكن مرنا بمقاومة الوحوش ، والذئاب تجترئ على الذي تحسّ منه ضعفا في دفاعها. قال الرّبيع بن ضبع الفزاري يشكو ضعف الشيخوخة :
والذّئب أخشاه إن مررت به |
|
وحدي وأخشى الرياح والمطرا |
وقال الفرزدق يذكر ذئبا :
فقلت له لمّا تكشّر ضاحكا |
|
وقائم سيفي من يدي بمكان |
تعش فإن عاهدتني لا تخونني |
|
نكن مثل من يا ذئب يصطحبان |
فذئاب بادية الشّام كانت أشدّ خبثا من بقية الذئاب ، ولعلّها كانت كذئاب بلاد الرّوس. والعرب يقولون : إنّ الذئب إذا حورب ودافع عن نفسه حتّى عضّ الإنسان وأسال دمه أنّه يضرى حين يرى الدم فيستأسد على الإنسان ، قال :
فكنت كذئب السّوء حين رأى دما |
|
بصاحبه يوما أحال على الدم |
وقد يتجمّع سرب من الذئاب فتكون أشدّ خطرا على الواحد من الناس والصغير.
والتعريف في (الذِّئْبُ) تعريف الحقيقة والطبيعة ، ويسمّى تعريف الجنس. وهو هنا مراد به غير معيّن من نوع الذئب أو جماعة منه ، وليس الحكم على الجنس بقرينة أن الأكل من أحوال الذّوات لا من أحوال الجنس ، لكن المراد أية ذات من هذا الجنس دون