وهذا الجب الذي ألقي فيه يوسف ـ عليهالسلام ـ وقع في التوراة أنه في أرض (دوثان) ، ودوثان كانت مدينة حصينة وصارت خرابا. والمراد : أنه كانت حوله صحراء هي مرعى ومربع. ووصف الجب يقتضي أنه على طريق القوافل. واتّفق واصفو الجب على أنه بين (بانياس) و (طبرية). وأنه على اثني عشر ميلا من طبرية ممّا يلي دمشق ، وأنه قرب قرية يقال لها (سنجل أو سنجيل). قال قدامة : هي طريق البريد بين بعلبك وطبرية.
ووصفها المتأخرون بالضبط المأخوذ من الأوصاف التاريخية القديمة أنه الطريق الكبرى بين الشام ومصر. وكانت تجتاز الأردن تحت بحيرة طبرية وتمر على (دوثان) وكانت تسلكها قوافل العرب التي تحمل الأطياب إلى المشرق ، وفي هذه الطريق جباب كثيرة في (دوثان). وجب يوسف معروف بين طبرية وصفد ، بنيت عليه قبة في زمن الدولة الأيوبية بحسب التوسّم وهي قائمة إلى الآن.
[١٦ ـ ١٨] (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨))
(وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) عطف على جملة (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) [سورة يوسف : ١٥] عطف جزء القصة.
والعشاء : وقت غيبوبة الشفق الباقي من بقايا شعاع الشمس بعد غروبها.
والبكاء : خروج الدموع من العينين عند الحزن والأسف والقهر. وتقدم في قوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) [سورة التوبة : ٨٢]. وقد أطلق هنا على البكاء المصطنع وهو التباكي. وإنما اصطنعوا البكاء تمويها على أبيهم لئلا يظن بهم أنهم اغتالوا يوسف ـ عليهالسلام ـ ، ولعلّهم كانت لهم مقدرة على البكاء مع عدم وجدان موجبه ، وفي الناس عجائب من التمويه والكيد. ومن الناس من تتأثر أعصابهم بتخيل الشيء ومحاكاته فيعتريهم ما يعتري الناس بالحقيقة.
وبعض المتظلمين بالباطل يفعلون ذلك ، وفطنة الحاكم لا تنخدع لمثل هذه الحيل