والتعبير عما أصاب يوسف ـ عليهالسلام ـ ب (ما تَصِفُونَ) في غاية البلاغة لأنه كان واثقا بأنهم كاذبون في الصفة وواثقا بأنهم ألحقوا بيوسف ـ عليهالسلام ـ ضرا فلما لم يتعيّن عنده المصاب أجمل التعبير عنه إجمالا موجها لأنهم يحسبون أن ما يصفونه هو موته بأكل الذئب إياه ويعقوب ـ عليهالسلام ـ يريد أن ما يصفونه هو المصاب الواقع الذي وصفوه وصفا كاذبا. فهو قريب من قوله تعالى : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) [سورة الصافات : ١٨٠].
وإنما فوض يعقوب ـ عليهالسلام ـ الأمر إلى الله ولم يسع للكشف عن مصير يوسف ـ عليهالسلام ـ لأنه علم تعذر ذلك عليه لكبر سنه ، ولأنه لا عضد له يستعين به على أبنائه أولئك. وقد صاروا هم الساعين في البعد بينه وبين يوسف ـ عليهالسلام ـ ، فأيس من استطاعة الكشف عن يوسف ـ عليهالسلام ـ بدونهم ، ألا ترى أنه لما وجد منهم فرصة قال لهم : (اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ) [سورة يوسف : ٨٧].
(وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩))
عطف على (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) [سورة يوسف : ١٦] عطف قصة على قصة. وهذا رجوع إلى ما جرى في شأن يوسف ـ عليهالسلام ـ ، والمعنى : وجاءت الجبّ.
و (السّيّارة) تقدم آنفا.
والوارد : الذي يرد الماء ليستقي للقوم.
والإدلاء : إرسال الدلو في البئر لنزع الماء.
والدلو : ظرف كبير من جلد مخيط له خرطوم في أسفله يكون مطويا على ظاهر الظرف بسبب شده بحبل مقارن للحبل المعلقة فيه الدلو. والدلو مؤنثة.
وجملة قال يا بشراي مستأنفة استئنافا بيانيا لأن ذكر إدلاء الدلو يهيّئ السامع للسؤال عمّا جرى حينئذ فيقع جوابه قال يا بشراي.
والبشرى : تقدمت في قوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) في سورة يونس [٦٤].