و (مَعْدُودَةٍ) كناية عن كونها قليلة لأن الشيء القليل يسهل عدّه فإذا كثر صار تقديره بالوزن أو الكيل. ويقال في الكناية عن الكثرة : لا يعدّ.
وضمائر الجمع كلها للسيّارة على أصح التفاسير.
والزهادة : قلة الرغبة في حصول الشيء الذي من شأنه أن يرغب فيه ، أو قلة الرغبة في عوضه كما هنا ، أي كان السيارة غير راغبين في إغلاء ثمن يوسف ـ عليهالسلام ـ. ولعل سبب ذلك قلة معرفتهم بالأسعار.
وصوغ الإخبار عن زهادتهم فيه بصيغة (مِنَ الزَّاهِدِينَ) أشد مبالغة مما لو أخبر بكانوا فيه زاهدين ، لأن جعلهم من فريق زاهدين ينبئ بأنهم جروا في زهدهم في أمثاله على سنن أمثالهم البسطاء الذين لا يقدرون قدر نفائس الأمور.
و (فِيهِ) متعلق ب (الزَّاهِدِينَ) و (أل) حرف لتعريف الجنس ، وليست اسم موصول خلافا لأكثر النحاة الذين يجعلون (أل) الداخلة على الأسماء المشتقة اسم موصول ما لم يتحقق عهد وتمسكوا بعلل واهية وخالفهم الأخفش والمازني.
وتقديم المجرور على عامله للتنويه بشأن المزهود فيه ، وللتنبيه على ضعف توسمهم وبصارتهم مع الرعاية على الفاصلة.
(وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١))
(وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً).
(الَّذِي اشْتَراهُ) مراد منه الذي دفع الثمن فملكه وإن كان لم يتول الاشتراء بنفسه ، فإن فعل الاشتراء لا يدل إلّا على دفع العوض ، بحيث إن إسناد الاشتراء لمن يتولى إعطاء الثمن وتسلم المبيع إذا لم يكن هو مالك الثمن ومالك المبيع يكون إسنادا مجازيا ، ولذلك يكتب الموثّقون في مثل هذا أن شراءه لفلان.
والذي اشترى يوسف ـ عليهالسلام ـ رجل اسمه (فوطيفار) رئيس شرط ملك مصر ، وهو والي مدينة مصر ، ولقّب في هذه السورة بالعزيز ، وسيأتي.
ومدينة مصر هي (منفيس) ويقال : (منف) وهي قاعدة مصر السفلى التي يحكمها