هذا الحكم من كونه حقيقة ثابتة شأنها أن لا تجعل لأن عليها شواهد من أحوال الحدثان ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك مع ظهوره.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢))
هذا إخبار عن اصطفاء ـ يوسف ـ عليهالسلام ـ للنبوءة. ذكر هنا في ذكر مبدأ حلوله بمصر لمناسبة ذكر منّة الله عليه بتمكينه في الأرض وتعليمه تأويل الأحاديث.
والأشدّ : القوة. وفسر ببلوغه ما بين خمس وثلاثين سنة إلى أربعين.
والحكم والحكمة مترادفان ، وهو : علم حقائق الأشياء والعمل بالصالح واجتناب ضده. وأريد به هنا النبوءة كما في قوله تعالى في ذكر داود وسليمان ـ عليهماالسلام ـ (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) [سورة الأنبياء : ٧٩]. والمراد بالعلم علم زائد على النبوءة.
وتنكير (عِلْماً) للنوعية ، أو للتعظيم. والمراد : علم تعبير الرؤيا ، كما سيأتي في قوله تعالى عنه : (ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) [سورة يوسف : ٣٧].
وقال فخر الدين : الحكم : الحكمة العملية لأنها حكم على هدى النفس. والعلم : الحكمة النظرية.
والقول في (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) كالقول في نظيره ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) في سورة البقرة [١٤٣].
وفي ذكر (الْمُحْسِنِينَ) إيماء إلى أنّ إحسانه هو سبب جزائه بتلك النعمة.
وفي هذا الذي دبّره الله تعالى تصريح بآية من الآيات التي كانت في يوسف ـ عليهالسلام ـ وإخوته.
[٢٣ ـ ٢٩] (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤) وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٥) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) َلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ