وجملة (إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) من كلام يوسف ـ عليهالسلام ـ. وهي تذييل وتعريض بأن الكشف المطلوب سينجلي عن براءته وظهور كيد الكائدات له ثقة بالله ربه أنه ناصره.
وإضافة كيد إلى ضمير النسوة لأدنى ملابسة لأن الكيد واقع من بعضهن ، وهي امرأة العزيز في غرضها من جمع النسوة فأضيف إلى ضمير جماعتهن قصدا للإبهام المعين على التبيان.
(قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١))
جملة (قالَ ما خَطْبُكُنَ) مستأنفة استئنافا بيانيا لأن الجمل التي سبقتها تثير سؤالا في نفس السامع عما حصل من الملك لمّا أبلغ إليه اقتراح يوسف ـ عليهالسلام ـ مع شدة تشوقه إلى حضوره بين يديه ، أي قال الملك للنسوة.
ووقوع هذا بعد جملة (ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ) [سورة يوسف : ٥٠] إلى آخرها مؤذن بكلام محذوف ، تقديره : فرجع فأخبر الملك فأحضر الملك النسوة اللائي كانت جمعتهن امرأة العزيز لمّا أعتدت لهنّ متّكأ فقال لهن : (ما خَطْبُكُنَ) إلى آخره.
وأسندت المراودة إلى ضمير النسوة لوقوعها من بعضهن غير معين ، أو لأن القالة التي شاعت في المدينة كانت مخلوطة ظنا أن المراودة وقعت في مجلس المتّكأ.
والخطب : الشأن المهم من حالة أو حادثة. قيل : سمي خطبا لأنه يقتضي أن يخاطب المرء صاحبه بالتساؤل عنه. وقيل : هو مأخوذ من الخطبة ، أي يخطب فيه ، وإنما تكون الخطبة في أمر عظيم ، فأصله مصدر بمعنى المفعول ، أي مخطوب فيه.
وجملة (قُلْنَ) مفصولة لأجل كونها حكاية جواب عن كلام الملك أي قالت النسوة عدا امرأة العزيز ، بقرينة قوله بعد : (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ).
و (حاشَ لِلَّهِ) مبالغة في النفي والتنزيه. والمقصود : التبرؤ مما نسب إليهن من المراودة. وقد تقدم تفسيرها آنفا واختلاف القراء فيها.
وجملة (ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) مبينة لإجمال النفي الذي في (حاشَ لِلَّهِ). وهي جامعة لنفي مراودتهن إياه ومراودته إياهن لأن الحالتين من أحوال السوء.