(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) [سورة الأنبياء : ١٨].
والكيد : تقدم.
(وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣))
ظاهر ترتيب الكلام أن هذا من كلام امرأة العزيز ، مضت في بقية إقرارها فقالت : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي). وذلك كالاحتراس مما يقتضيه قولها : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) [سورة يوسف : ٥٢] من أن تبرئة نفسها من هذا الذنب العظيم ادعاء بأن نفسها بريئة براءة عامة فقالت : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) ، أي ما أبرئ نفسي من محاولة هذا الإثم لأن النفس أمّارة بالسوء وقد أمرتني بالسوء ولكنه لم يقع.
فالواو التي في الجملة استئنافية ، والجملة ابتدائية.
وجملة (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) تعليل لجملة (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) ، أي لا أدعي براءة نفسي من ارتكاب الذنب ، لأن النفوس كثيرة الأمر بالسوء.
والاستثناء في (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) استثناء من عموم الأزمان ، أي أزمان وقوع السوء ، بناء على أن أمر النفس به يبعث على ارتكابه في كلّ الأوقات إلّا وقت رحمة الله عبده ، أي رحمته بأن يقيّض له ما يصرفه عن فعل السوء ، أو يقيض حائلا بينه وبين فعل السوء ، كما جعل إباية يوسف ـ عليهالسلام ـ من إجابتها إلى ما دعته إليه حائلا بينها وبين التورط في هذا الإثم ، وذلك لطف من الله بهما.
ولذلك ذيلته بجملة (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) ثناء على الله بأنه شديد المغفرة لمن أذنب ، وشديد الرحمة لعبده إذا أراد صرفه عن الذنب.
وهذا يقتضي أن قومها يؤمنون بالله ويحرمون الحرام ، وذلك لا ينافي أنهم كانوا مشركين فإن المشركين من العرب كانوا يؤمنون بالله أيضا ، قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [سورة العنكبوت : ٦١] وكانوا يعرفون البر والذنب.
وفي اعتراف امرأة العزيز بحضرة الملك عبرة بفضيلة الاعتراف بالحق ، وتبرئة البريء مما ألصق به ، ومن خشية عقاب الله الخائنين.
وقيل : هذا الكلام كلام يوسف ـ عليهالسلام ـ متصل بقوله : (ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ