وقال عياض في كتاب الإمارة ، أي من «شرح صحيح مسلم» ، ما ظاهره الاتفاق على جواز الطلب في هذه الحالة ، وظاهر كلام ابن رشد في «المقدمات» حرمة الطلب مطلقا. قال ابن مرزوق : وإنما رأيت مثل ما نقل المازري أو قريبا منه للغزالي في «الوجيز».
[٥٦ ، ٥٧] (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧))
تقدم تفسير آية (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) آنفا.
والتبوؤ : اتخاذ مكان للبوء ، أي الرجوع ، فمعنى التبوؤ النزول والإقامة. وتقدم في قوله تعالى : (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) في [سورة يونس : ٨٧].
وقوله : (يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) كناية عن تصرفه في جميع مملكة مصر فهو عند حلوله بمكان من المملكة لو شاء أن يحل بغيره لفعل ، فجملة (يَتَبَوَّأُ) يجوز أن تكون حالا من (لِيُوسُفَ) ، ويجوز أن تكون بيانا لجملة (مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ).
وقرأ الجمهور (حَيْثُ يَشاءُ) ـ بياء الغيبة ـ وقرأ ابن كثير (حَيْثُ نَشاءُ) ـ بنون العظمة ـ ، أي حيث يشاء الله ، أي حيث نأمره أو نلهمه. والمعنى متحد لأنه لا يشاء إلا ما شاءه الله.
وجملة (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ) إلى آخرها تذييل لمناسبة عمومه لخصوص ما أصاب يوسف ـ عليهالسلام ـ من الرحمة في أحواله في الدنيا وما كان له من مواقف الإحسان التي كان ما أعطيه من النعم وشرف المنزلة جزاء لها في الدنيا ، لأن الله لا يضيع أجر المحسنين. ولأجره في الآخرة خير من ذلك له ولكل من آمن واتقى.
والتعبير في جانب الإيمان بصيغة الماضي وفي جانب التقوى بصيغة المضارع ، لأن الإيمان عقد القلب الجازم فهو حاصل دفعة واحدة وأما التقوى فهي متجددة بتجدّد أسباب الأمر والنهي واختلاف الأعمال والأزمان.
[٥٨ ـ ٦٠] (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠))