الأحمال. والتجهيز : إعطاء الجهاز.
وقوله : (ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ) يقتضي وقوع حديث منهم عن أن لهم أخا من أبيهم لم يحضر معهم وإلا لكان إنباء يوسف ـ عليهالسلام ـ لهم بهذا يشعرهم أنه يكلمهم عارفا بهم وهو لا يريد أن يكشف ذلك لهم. وفي التوراة (١) أن يوسف ـ عليهالسلام ـ احتال لذلك بأن أوهمهم أنه اتهمهم أن يكونوا جواسيس للعدو وأنهم تبرءوا من ذلك فعرفوه بمكانهم من قومهم وبأبيهم وعدد عائلتهم ، فما ذكروا ذلك له أظهر أنه يأخذ أحدهم رهينة عنده إلى أن يرجعوا ويأتوا بأخيهم الأصغر ليصدّقوا قولهم فيما أخبروه ، ولذلك قال : (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي).
و (مِنْ أَبِيكُمْ) حال من (أخ لكم) أي أخوّته من جهة أبيكم ، وهذا من مفهوم الاقتصار الدال على عدم إرادة غيره ، أي من أبيكم وليس من أمكم ، أي ليس بشقيق.
والعدول عن أن يقال : ايتوني بأخيكم من أبيكم ، لأن المراد حكاية ما اشتمل عليه كلام يوسف ـ عليهالسلام ـ من إظهار عدم معرفته بأخيهم إلا من ذكرهم إياه عنده ، فعدل عن الإضافة المقتضية المعرفة إلى التنكير تنابها في التظاهر بجهله به.
(وَلا تَقْرَبُونِ) أي لا تعودوا إلى مصر ، وقد علم أنهم لا يتركون أخاهم رهينة.
وقوله : (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) ترغيب لهم في العود إليه ؛ وقد علم أنهم مضطرون إلى العود إليه لعدم كفاية الميرة التي امتاروها لعائلة ذات عدد من النّاس مثلهم ، كما دل عليه قولهم بعد (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) [سورة يوسف : ٦٥].
ودل قوله : (خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) على أنه كان ينزل الممتارين في ضيافته لكثرة الوافدين على مصر للميرة. والمنزل : المضيف. وهذه الجملة كناية عن الوعد بأن يوفي لهم الكيل ويكرم ضيافتهم إن أتوا بأخيهم. والكيل في الموضعين مراد منه المصدر. فمعنى (فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي) أي لا يكال لكم ، كناية عن منعهم من ابتياع الطعام.
(قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (٦١))
وعد بأن يبذلوا قصارى جهدهم في الإتيان بأخيهم وإشعار بصعوبة ذلك. فمعنى (سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) سنحاول أن لا يشح به ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ
__________________
(١) الإصحاح (٤٢) من سفر التكوين.