صاحب «الكشاف» في مثله أن يكون (شَيْئاً) مفعولا مطلقا ، أي شيئا من الغناء وهو الظاهر ، فقال في قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [سورة البقرة : ٤٨] ، قال : أي قليلا من الجزاء ، كقوله تعالى : (وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) ؛ لكنه جوز أن يكون (شَيْئاً) مفعولا به وهو لا يستقيم إلا على معنى التوسع بالحذف والإيصال ، أي بنزع الخافض.
وجملة (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) في موضع التعليل لمضمون (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ). والحكم : هنا بمعنى التصرف والتقدير ، ومعنى الحصر أنه لا يتم إلا ما أراده الله ، كما قال تعالى : (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) [سورة الطلاق : ٣]. وليس للعبد أن ينازع مراد الله في نفس الأمر ولكن واجبه أن يتطلب الأمور من أسبابها لأن الله أمر بذلك ، وقد جمع هذين المعنيين قوله : (وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ).
وجملة (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) في موضع البيان لجملة (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) ليبين لهم أن وصيته بأخذ الأسباب مع التنبيه على الاعتماد على الله هو معنى التوكّل الذي يضل في فهمه كثير من الناس اقتصارا وإنكارا ، ولذلك أتى بجملة (وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) أمرا لهم ولغيرهم على معنى أنه واجب الحاضرين والغائبين ، وأن مقامه لا يختص بالصدّيقين بل هو واجب كل مؤمن كامل الإيمان لا يخلط إيمانه بأخطاء الجاهليات.
(وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨))
جملة معترضة ، والواو اعتراضية.
ودلت (حَيْثُ) على الجهة ، أي لمّا دخلوا من الجهات التي أمرهم أبوهم بالدخول منها. فالجملة التي تضاف إليها (حَيْثُ) هي التي تبين المراد من الجهة.
وقد أغنت جملة (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) عن جمل كثيرة ، وهي أنهم ارتحلوا ودخلوا من حيث أمرهم أبوهم ، ولما دخلوا من حيث أمرهم سلموا مما كان يخافه عليهم. وما كان دخولهم من حيث أمرهم يغني عنهم من الله من شيء لو قدّر الله أن