وأفاد فعل الكون في المضي أن المراد ما عملوه فيما مضى. وأفاد صوغ (يَعْمَلُونَ) بصيغة المضارع أنه أعمال متكررة من الأذى. وفي هذا تهيئة لنفس أخيه لتلقي حادث الصّواع باطمئنان حتى لا يخشى أن يكون بمحل الريبة من يوسف ـ عليهالسلام ـ.
[٧٠ ـ ٧٥] (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ (٧١) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥))
تقدم الكلام على نظير قوله : (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) في الآيات قبل هذه. وإسناد جعل السقاية إلى ضمير يوسف مجاز عقليّ ، وإنما هو أمر بالجعل والذين جعلوا السقاية هم العبيد الموكّلون بالكيل.
والسقاية : إناء كبير يسقى به الماء والخمر. والصّواع : لغة في الصاع ، وهو وعاء للكيل يقدّر بوزن رطل وربع أو وثلث. وكانوا يشربون الخمر بالمقدار ، يقدّر كل شارب لنفسه ما اعتاد أنه لا يصرعه ، ويجعلون آنية الخمر مقدّرة بمقادير مختلفة ، فيقول الشارب للساقي : رطلا أو صاعا أو نحو ذلك. فتسمية هذا الإناء سقاية وتسميته صواعا جارية على ذلك. وفي التوراة سمي طاسا ، ووصف بأنه من فضة.
وتعريف (السِّقايَةَ) تعريف العهد الذهني ، أي سقاية معروفة لا يخلو عن مثلها مجلس العظيم.
وإضافة الصّواع إلى الملك لتشريفه ، وتهويل سرقته على وجه الحقيقة ، لأن شئون الدولة كلها للملك. ويجوز أن يكون أطلق الملك على يوسف ـ عليهالسلام ـ تعظيما له.
والتأذين : النداء المكرر. وتقدم عند قوله تعالى : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ) في سورة الأعراف [٤٤].
والعير : اسم للحمولة من إبل وحمير وما عليها من أحمال وما معها من ركابها ، فهو اسم لمجموع هذه الثلاثة. وأسندت السرقة إلى جميعهم جريا على المعتاد من مؤاخذة الجماعة بجرم الواحد منهم.