قد يود الذين كفروا لو كانوا أسلموا.
والتقليل هنا مستعمل في التهكم والتخويف ، أي احذروا ودادتكم أن تكونوا مسلمين ، فلعلها أن تقع نادرا كما يقول العرب في التوبيخ : لعلك ستندم على فعلك ، وهم لا يشكون في تندمه ، وإنما يريدون أنه لو كان الندم مشكوكا فيه لكان حقا عليك أن تفعل ما قد تندم على التفريط فيه لكي لا تندم ، لأن العاقل يتحرز من الضر المظنون كما يتحرز من المتيقن.
والمعنى أنهم قد يودّون أن يكونوا أسلموا ولكن بعد الفوات.
والإتيان بفعل الكون الماضي للدلالة على أنهم يودون الإسلام بعد مضي وقت التمكن من إيقاعه ، وذلك عند ما يقتلون بأيدي المسلمين ، وعند حضور يوم الجزاء ، وقد ودّ المشركون ذلك غير مرة في الحياة الدنيا حين شاهدوا نصر المسلمين.
وعن ابن مسعود : ودّ كفار قريش ذلك يوم بدر حين رأوا نصر المسلمين. ويتمنّون ذلك في الآخرة حين يساقون إلى النار لكفرهم ، قال تعالى : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) [سورة الفرقان : ٢٧]. وكذلك إذا أخرج عصاة المسلمين من النار ودّ الذين كفروا في النار لو كانوا مسلمين ، على أنهم قد ودّوا ذلك غير مرة وكتموه في نفوسهم عنادا وكفرا. قال تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) [سورة الأنعام : ٢٧ ، ٢٨] ، أي فلا يصرحون به.
و (لَوْ) في (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) مستعملة في التمني لأن أصلها الشرطية إذ هي حرف امتناع لامتناع ، فهي مناسبة لمعنى التمني الذي هو طلب الأمر الممتنع الحصول ، فإذا وقعت بعد ما يدل على التمني استعملت في ذلك كأنها على تقدير قول محذوف يقوله المتمني ، ولما حذف فعل القول عدل في حكاية المقول إلى حكايته بالمعنى. فأصل (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) لو كنّا مسلمين.
والتزم حذف جواب (لَوْ) اكتفاء بدلالة المقام عليه ثم شاع حذف القول ، فأفادت (لَوْ) معنى المصدرية فصار المعنى : يودّ الذين كفروا كونهم مسلمين ، ولذلك عدّوها من حروف المصدرية وإنما المصدر معنى عارض في الكلام وليس مدلولها بالوضع.
(ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣))