الْمُسْتَكْبِرِينَ) الواقعة موقع التعليل والتذييل لها ، لأن الذي لا يحب فعلا وهو قادر يجازي فاعله بالسّوء.
والتعريف في (الْمُسْتَكْبِرِينَ) للاستغراق ، لأن شأن التذييل العموم. ويشمل هؤلاء المتحدّث عنهم فيكون إثبات العقاب لهم كإثبات الشيء بدليله.
[٢٤ ، ٢٥] (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٢٥))
و (إِذا قِيلَ لَهُمْ) عطف على جملة (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) [سورة النحل : ٢٢] ، لأن مضمون هذه من أحوالهم المتقدم بعضها ، فإنه ذكر استكبارهم وإنكارهم الوحدانية ، وأتبع بمعاذيرهم الباطلة لإنكار نبوءة محمد صلىاللهعليهوسلم وبصدّهم الناس عن اتّباع الإسلام. والتقدير: قلوبهم منكرة ومستكبرة فلا يعترفون بالنبوءة ولا يخلّون بينك وبين من يتطلب الهدى ، مضلّون للناس صادّوهم عن الإسلام.
وذكر فعل القول يقتضي صدوره عن قائل يسألهم عن أمر حدث بينهم وليس على سبيل الفرض ، وأنهم يجيبون بما ذكر مكرا بالدين وتظاهرا بمظهر الناصحين للمسترشدين المستنصحين بقرينة قوله تعالى : (وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [سورة النحل : ٢٥].
و (إِذا) ظرف مضمّن معنى الشّرط. وهذا الشّرط يؤذن بتكرّر هذين القولين. وقد ذكر المفسرون أن قريشا لما أهمّهم أمر النبي صلىاللهعليهوسلم ورأوا تأثير القرآن في نفوس الناس ، وأخذ أتباع الإسلام يكثرون ، وصار الواردون إلى مكّة في موسم الحجّ وغيره يسألون الناس عن هذا القرآن ، وما ذا يدعو إليه ، دبّر لهم الوليد بن المغيرة معاذير واختلاقا يختلقونه ليقنعوا السّائلين به ، فندب منهم ستة عشر رجلا بعثهم أيام الموسم يقعدون في عقبات مكّة وطرقها التي يرد منها الناس ، يقولون لمن سألهم : لا تغترّوا بهذا الذي يدّعي أنه نبيّ فإنه مجنون أو ساحر أو شاعر أو كاهن ، وأن الكلام الذي يقوله أساطير من أساطير الأولين اكتتبها. وقد تقدم ذلك في آخر سورة الحجر. وكان النضر بن الحارث يقول : أنا أقرأ عليكم ما هو أجمل من حديث محمد أحاديث رستم وإسفنديار. وقد تقدّم ذكره عند قوله تعالى : (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) في سورة الأنعام [٩٣].