فإنّ تسببهم في الضلال يقتضي مساواة المضلّل للضّال في جريمة الضّلال ، إذ لو لا إضلاله إياه لاهتدى بنظره أو بسؤال الناصحين. وفي الحديث الصّحيح «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا».
و (بِغَيْرِ عِلْمٍ) في موضع الحال من ضمير النصب في (يُضِلُّونَهُمْ) ، أي يضلّون ناسا غير عالمين يحسبون إضلالهم نصحا. والمقصود من هذا الحال تفظيع التضليل لا تقييده فإن التضليل لا يكون إلا عن عدم علم كلا أو بعضا.
وجملة (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) تذييل. افتتح بحرف التّنبيه اهتماما بما تتضمّنه للتحذير من الوقوع فيه أو للإقلاع عنه.
(قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦))
لمّا ذكر عاقبة إضلالهم وصدّهم السائلين عن القرآن والإسلام في الآخرة أتبع بالتهديد بأن يقع لهم ما وقع فيه أمثالهم في الدّنيا من الخزي والعذاب مع التأييس من أن يبلغوا بصنعهم ذلك مبلغ مرادهم ، وأنهم خائبون في صنعهم كما خاب من قبلهم الذين مكروا برسلهم.
ولما كان جوابهم السائلين عن القرآن بقولهم هو (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [سورة النحل : ٢٤] مظهرينه بمظهر النصيحة والإرشاد وهم يريدون الاستبقاء على كفرهم ، سمّي ذلك مكرا بالمؤمنين ، إذ المكر إلحاق الضرّ بالغير في صورة تمويهه بالنّصح والنّفع ، فنظّر فعلهم بمكر من قبلهم ، أي من الأمم السابقة الذين مكروا بغيرهم مثل قوم هود ، وقوم صالح ، وقوم لوط ، وقوم فرعون ، قال تعالى في قوم صالح : (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً) [سورة النحل : ٥٠] الآية ، وقال : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ) [سورة الأنعام : ١٢٣].
فالتعريف بالموصول في قوله تعالى : (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) مساو للتعريف بلام الجنس.
ومعنى «أتى الله بنيانهم» استعارة بتشبيه القاصد للانتقام بالجائي نحو المنتقم منه ، ومنه قوله تعالى : (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) [سورة الحشر : ٢].