واقتران الفعل بتاء المضارعة التي للمؤنث في قراءة الجمهور باعتبار إسناده إلى الجماعة. وقرأ حمزة وخلف يتوفاهم بالتحتية على الأصل.
وظلم النّفس : الشّرك.
والإلقاء : مستعار إلى الإظهار المقترن بمذلّة. شبّه بإلقاء السّلاح على الأرض ، ذلك أنّهم تركوا استكبارهم وإنكارهم وأسرعوا إلى الاعتراف ولخضوع لما ذاقوا عذاب انتزاع أرواحهم.
والسلم ـ بفتح السين وفتح اللّام ـ الاستسلام. وتقدّم الإلقاء والسلم عند قوله تعالى: (وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) في سورة النساء [٩٠]. وتقدم الإلقاء الحقيقي عند قوله تعالى: (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) في أول هذه السورة [١٥].
ووصفهم ب (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) يرمي إلى أن توفّي الملائكة إيّاهم ملابس لغلظة وتعذيب ، قال تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) [سورة الأنفال : ٥٠].
وجملة (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) مقول قول محذوف دلّ عليه (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) ، لأن إلقاء السلم أوّل مظاهره القول الدّال على الخضوع. يقولون ذلك للملائكة الّذين ينتزعون أرواحهم ليكفّوا عنهم تعذيب الانتزاع ، وهم من اضطراب عقولهم يحسبون الملائكة إنما يجرّبونهم بالعذاب ليطّلعوا على دخيلة أمرهم ، فيحسبون أنهم إن كذبوهم راج كذبهم على الملائكة فكفّوا عنهم العذاب ، لذلك جحدوا أن يكونوا يعملون سوءا من قبل.
ولذلك فجملة (بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) جواب الملائكة لهم ، ولذلك افتتحت بالحرف الّذي يبطل به النّفي وهو (بَلى). وقد جعلوا علم الله بما كانوا يعملون كناية عن تكذيبهم في قولهم : (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) ، وكناية على أنّهم ما عاملوهم بالعذاب إلّا بأمر من الله تعالى العالم بهم.
وأسندوا العلم إلى الله دون أن يقولوا : إنّا نعلم ما كنتم تعملون ، أدبا مع الله وإشعارا بأنهم ما علموا ذلك إلّا بتعليم من الله تعالى.
وتفريع (فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) على إبطال نفيهم عمل السّوء ظاهر ، لأنّ إثبات كونهم كانوا يعملون السّوء يقتضي استحقاقهم العذاب ، وذلك عند ما كشف لهم عن مقرّهم الأخير ، كما جاء في الحديث «القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النّار».