ونظيره قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) [سورة الأنفال : ٥٠].
وجملة (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) تذييل. يحتمل أن يكون حكاية كلام الملائكة ، والأظهر أنّه من كلام الله الحكاية لا من المحكيّ ، ووصفهم بالمتكبّرين يرجّح ذلك ، فإنّه لربط هذه الصفة بالموصوف في قوله تعالى (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) [سورة النحل : ٢٢]. واللّام الدّاخلة على «بئس» لام القسم.
والمثوى. المرجع. من ثوى إذا رجع ، أو المقام من ثوى إذا أقام. وتقدّم في قوله تعالى : (قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ) في سورة الأنعام [١٢٨].
ولم يعبّر عن جهنّم بالدار كما عبّر عن الجنّة فيما يأتي بقوله تعالى : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) [سورة النحل : ٣٠] تحقيرا لهم وأنّهم ليسوا في جهنّم بمنزلة أهل الدّار بل هم متراصّون في النار وهم في مثوى ، أي محل ثواء.
[٣٠ ، ٣١] (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ (٣١))
(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً).
لمّا افتتحت صفة سيّئات الكافرين وعواقبها بأنّهم إذا قيل لهم (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) [سورة النحل : ٢٤] قالوا : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [سورة النحل : ٢٤] ، جاءت هنا مقابلة حالهم بحال حسنات المؤمنين وحسن عواقبها ، فافتتح ذلك بمقابل ما افتتحت به قصّة الكافرين ، فجاء التنظير بين القصّتين في أبدع نظم.
وهذه الجملة معطوفة على الجمل التي قبلها ، وهي معترضة في خلال أحوال المشركين استطرادا. ولم تقترن هذه الجملة بأداة الشرط كما قرنت مقابلتها بها (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) ، لأن قولهم : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) لما كان كذبا اختلقوه كان مظنة أن يقلع عنه قائله وأن يرعوي إلى الحقّ وأن لا يجمع عليه القائلون ، قرن بأداة الشرط المقتضية تكرّر ذلك للدّلالة على إصرارهم على الكفر ، بخلاف ما هنا فإن الصّدق مظنّة استمرار قائله عليه فليس بحاجة إلى التّنبيه على تكرّره منه.
والذين اتّقوا : هم المؤمنون لأن الإيمان تقوى الله وخشية غضبه. والمراد بهم