المؤمنون المعهودون في مكّة ، فالموصول للعهد.
والمعنى أنّ المؤمنين سئلوا عن القرآن ، ومن جاء به ، فأرشدوا السائلين ولم يتردّدوا في الكشف عن حقيقة القرآن بأوجز بيان وأجمعه ، وهو كلمة (خَيْراً) المنصوبة ، فإن لفظها شامل لكلّ خير في الدّنيا وكلّ خير في الآخرة ، ونصبها دال على أنّهم جعلوها معمولة ل (أَنْزَلَ) الواقع في سؤال السائلين ، فدل النّصب على أنّهم مصدّقون بأنّ القرآن منزل من عند الله ، وهذا وجه المخالفة بين الرفع في جواب المشركين حين قيل لهم : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [سورة النحل : ٢٤] بالرّفع وبين النصب في كلام المؤمنين حين قيل لهم (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) بالنّصب. وقد تقدم ذلك آنفا عند قوله تعالى : (قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ).
(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاءُونَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ (٣١))
مستأنفة ابتدائية ، وهي كلام من الله تعالى مثل نظيرها في آية (قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) في سورة الزمر [١٠] ، وليست من حكاية قول الذين اتّقوا.
والّذين أحسنوا : هم المتقون فهو من الإظهار في مقام الإضمار توصّلا بالإتيان بالموصول إلى الإيماء إلى وجه بناء الخبر ، أي جزاؤهم حسنة لأنهم أحسنوا.
وقوله تعالى : (فِي هذِهِ الدُّنْيا) يجوز أن يتعلق بفعل (أَحْسَنُوا). ويجوز أن يكون ظرفا مستقرّا حالا من (حَسَنَةٌ). وانظر ما يأتي في نظر هذه الآية من سورة الزمر من نكتة هذا التوسيط.
ومعنى (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) أنّها خير لهم من الدّنيا فإذا كانت لهم في الدنيا حسنة فلهم في الآخرة أحسن ، فكما كان للّذين كفروا عذاب الدّنيا وعذاب جهنّم كان للّذين اتّقوا خير الدّنيا وخير الآخرة. فهذا مقابل قوله تعالى في حقّ المشركين (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً) [سورة النحل : ٢٥] وقوله تعالى : (وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) [سورة النحل : ٢٦].
وحسنة الدّنيا هي الحياة الطّيبة وما فتح الله لهم من زهرة الدنيا مع نعمة الإيمان.