أصله : كذلك فعل الذين من قبلهم وظلموا أنفسهم فأصابهم سيئات ما عملوا وما ظلمهم الله. ففي تغيير الأسلوب المتعارف تشويق إلى الخبر ، وتهويل له بأنه ظلم أنفسهم ، وأن الله لم يظلمهم ، فيترقّب السامع خبرا مفظعا وهو (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا).
وإصابة السيئات إما بتقدير مضاف ، أي أصابهم جزاؤها ، أو جعلت أعمالهم السيئة كأنها هي التي أصابتهم لأنها سبب ما أصابهم ، فهو مجاز عقلي.
و (حاقَ) : أحاط. والحيق : الإحاطة. ثم خصّ الاستعمال الحيق بإحاطة الشرّ. وقد تقدّم الكلام على ذلك عند قوله تعالى : (فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) في أوائل سورة الأنعام [١٠].
و (ما) موصولة ، ما صدقها العذاب المتوعدون به. والباء في (بِهِ) للسببية. وهو ظرف مستقرّ هو صفة لمفعول مطلق. والتقدير : الذي يستهزءون استهزاء بسببه ، أي بسبب تكذيبهم وقوعه. وهذا استعمال في مثله. وقد تكرّر في القرآن ، من ذلك ما في سورة الأحقاف ، وليست الباء لتعدية فعل (يَسْتَهْزِؤُنَ) وقدّم المجرور على عامل موصوفه للرّعاية على الفاصلة.
(وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥))
عطف قصّة على قصّة لحكاية حال من أحوال شبهاتهم ومكابرتهم وباب من أبواب تكذيبهم.
وذلك أنّهم كانوا يحاولون إفحام الرسول صلىاللهعليهوسلم بأنه يقول : إن الله يعلم ما يسرّون وما يعلنون ، وإنه القادر عليهم وعلى آلهتهم ، وإنه لا يرضى بأن يعبد ما سواه ، وإنه ينهاهم عن البحيرة والسائبة ونحوهما ، فحسبوا أنهم خصموا النبي صلىاللهعليهوسلم وحاجّوه فقالوا له : لو شاء الله أن لا نعبد أصناما لما أقدرنا على عبادتها ، ولو شاء أن لا نحرّم ما حرّمنا من نحو البحيرة والسائبة لما أقرّنا على تحريم ذلك. وذلك قصد إفحام وتكذيب.
وهذا ردّه الله عليهم بتنظير أعمالهم بأعمال الأمم الذين أهلكهم الله فلو كان الله يرضى بما عملوه لما عاقبهم بالاستئصال ، فكانت عاقبتهم نزول العذاب بقوله تعالى :