وأثبت الحكم لعموم الرسل ـ عليهمالسلام ـ وإن كان المردود عليهم لم يخطر ببالهم أمر الرسل الأولين لتكون الجملة تذييلا للمحاجّة ، فتفيد ما هو أعمّ من المردود.
والكلام موجّه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم تعليما وتسلية ، ويتضمّن تعريضا بإبلاغ المشركين.
(وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦))
عطف على جملة (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [سورة النحل : ٣٥]. وهو تكملة لإبطال شبهة المشركين إبطالا بطريقة التفصيل بعد الإجمال لزيادة تقرير الحجّة ، فقوله تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ) بيان لمضمون جملة (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [النحل : ٣٥].
وجملة (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ) إلى آخرها بيان لمضمون جملة (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).
والمعنى : أن الله بيّن للأمم على ألسنة الرسل ـ عليهمالسلام ـ أنّه يأمرهم بعبادته واجتناب عبادة الأصنام ؛ فمن كل أمّة أقوام هداهم الله فصدّقوا وآمنوا ، ومنهم أقوام تمكّنت منهم الضلالة فهلكوا. ومن سار في الأرض رأى دلائل استئصالهم.
و (أَنِ) تفسيرية لجملة (بَعَثْنا) لأنّ البعث يتضمّن معنى القول ، إذ هو بعث للتبليغ.
و (الطَّاغُوتَ) : جنس ما يعبد من دون الله من الأصنام. وقد يذكرونه بصيغة الجمع ، فيقال : الطواغيت ، وهي الأصنام. وتقدّم عند قوله تعالى : (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) في سورة النساء [٥١].
وأسندت هداية بعضهم إلى الله مع أنه أمر جميعهم بالهدى تنبيها للمشركين على إزالة شبهتهم في قولهم : (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) [سورة النحل : ٣٥] بأن الله بيّن لهم الهدى ، فاهتداء المهتدين بسبب بيانه ، فهو الهادي لهم.
والتّعبير في جانب الضلالة بلفظ «حقّت عليهم» دون إسناد الإضلال إلى الله إشارة إلى أن الله لما نهاهم عن الضلالة فقد كان تصميمهم عليها إبقاء لضلالتهم السابقة «فحقّت عليهم الضلالة» ، أي ثبتت ولم ترتفع.