(وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) في سورة الحجر [٦]. أي ما كنت بدعا من الرّسل فقد أوحينا إليك الذكر. والذكر : ما أنزل ليقرأه الناس ويتلونه تكرارا ليتذكروا ما اشتمل عليه. وتقديم المتعلّق المجرور على المفعول للاهتمام بضمير المخاطب.
وفي الاقتصار على إنزال الذكر عقب قوله : (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) إيماء إلى أن الكتاب المنزّل على محمد صلىاللهعليهوسلم هو بيّنة وزبور معا ، أي هو معجزة وكتاب شرع. وذلك من مزايا القرآن التي لم يشاركه فيها كتاب آخر ، ولا معجزة أخرى ، وقد قال الله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) سورة العنكبوت [٥٠ ، ٥١]. وفي الحديث : أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من الأنبياء نبيء إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة».
والتبيين : إيضاح المعنى.
والتعريف في «الناس» للعموم.
والإظهار في قوله تعالى : (ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) يقتضي أن ما صدق الموصول غير الذكر المتقدم ، إذ لو كان إيّاه لكان مقتضى الظاهر أن يقال لتبيّنه : للناس. ولذا فالأحسن أن يكون المراد بما نزل إليهم الشرائع التي أرسل الله بها محمدا صلىاللهعليهوسلم فجعل القرآن جامعا لها ومبينا لها ببليغ نظمه ووفرة معانيه ، فيكون في معنى قوله تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) [سورة النحل : ٨٩].
وإسناد التبيين إلى النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ باعتبار أنه المبلّغ للناس هذا البيان. واللّام على هذا الوجه لذكر العلّة الأصلية في إنزال القرآن.
وفسر (ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) بأنه عين الذكر المنزّل ، أي أنزلنا إليك الذكر لتبيّنه للناس ، فيكون إظهارا في مقام الإضمار لإفادة أن إنزال الذكر إلى النبي صلىاللهعليهوسلم هو إنزاله إلى الناس كقوله تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) [سورة الأنبياء : ١٠].
وإنّما أتي بلفظه مرتين للإيماء إلى التّفاوت بين الإنزالين : فإنزاله إلى النبي صلىاللهعليهوسلم مباشرة ، وإنزاله إلى إبلاغه إليهم.
فالمراد بالتبيين على هذا تبيين ما في القرآن من المعاني ، وتكون اللّام لتعليل بعض