والخسف : زلزال شديد تنشقّ به الأرض فتحدث بانشقاقها هوّة عظيمة تسقط فيها الديار والناس ، ثم تنغلق الأرض على ما دخل فيها. وقد أصاب ذلك أهل بابل ، ومكانهم يسمّى خسف بابل. وأصاب قوم لوط إذ جعل الله عاليها سافلها. وبلادهم مخسوفة اليوم في بحيرة لوط من فلسطين.
وخسف من باب ضرب. ويستعمل قاصرا ومتعدّيا. يقال : خسفت الأرض ، ويقال: خسف الله الأرض ، قال تعالى : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) [سورة القصص : ٨١] ، ولا يتعدّى إلى ما زاد على المفعول إلا بحرف التعدية ، والأكثر أن يعدّى بالباء كما هنا وقوله تعالى : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) ، أي جعلناها خاسفة به ، فالباء للتعدية ، كما يقال : ذهب به.
و (الْعَذابُ) يعمّ كل ما فيه تأليم يستمرّ زمنا ، فلذلك عطف على الخسف. وإتيان العذاب إليهم : إصابته إياهم. شبّه ذلك بالإتيان.
و (مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) من مكان لا يترقّبون أن يأتيهم منه ضرّ. فمعنى (مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) أنه يأتيهم بغتة لا يستطيعون دفعه ، لأنهم لبأسهم ومنعتهم لا يبغتهم ما يحذرونه إذ قد أعدّوا له عدّته ، فكان الآتي من حيث لا يشعرون عذابا غير معهود. فوقع قوله : (مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) كناية عن عذاب لا يطيقون دفعه بحسب اللزوم العرفي ، وإلا فقد جاء العذاب عادا من مكان يشعرون به ، قال تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) [سورة الأحقاف : ٢٤]. وحلّ بقوم نوح عذاب الطوفان وهم ينظرون ، وكذلك عذاب الغرق لفرعون وقومه.
[٤٦ ، ٤٧] (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧))
الأخذ مستعار للإهلاك قال تعالى : (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) [سورة الحاقة : ١٠].
وتقدّم عند قوله : (أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) في سورة الأنعام [٤٤].
والتّقلّب : السعي في شئون الحياة من متاجرة ومعاملة وسفر ومحادثة ومزاحمة. وأصله: الحركة إقبالا وإدبارا ، والمعنى : أن يهلكهم الله وهم شاعرون بمجيء العذاب.
وهذا قسيم قوله تعالى : (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) [سورة النحل: