الممدوح بأنه مشابه للملائكة في السجود لله تعالى.
(وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١))
لما أشبع القول في إبطال تعدّد الآلهة الشائع في جميع قبائل العرب ، وأتبع بإبطال الاختلاق على الرسول صلىاللهعليهوسلم والقرآن ، نقل الكلام إلى إبطال نوع آخر من الشّرك متّبع عند قبائل من العرب وهو الإشراك بإلهية أصلين للخير والشرّ ، تقلّدته قبائل العرب المجاورة بلاد فارس والساري فيهم سلطان كسرى وعوائدهم ، مثل بني بكر بن وائل وبني تميم ، فقد دان منهم كثير بالمجوسية ، أي المزدكية والمانوية في زمن كسرى أبرويش وفي زمن كسرى أنوشروان ، والمجوسية تثبت عقيدة بإلهين : إله للخير وهو النّور ، وإله للشرّ وهو الظلمة ، فإله الخير لا يصدر منه إلا الخير والأنعام ، وإله الشرّ لا يصدر عنه إلا الشرّ والآلام ، وسمّوا إله الخير (يزدان) ، وسموا إله الشرّ (أهرمن) (١). وزعموا أن يزدان كان منفردا بالإلهية وكان لا يخلق إلا الخير فلم يكن في العالم إلا الخير ، فخطر في نفسه مرة خاطر شرّ فتولّد عنه إله آخر شريك له هو إله الشرّ ، وقد حكى هذا المعرّي في لزومياته بقوله :
فكّر يزدان على غرة |
|
فصيغ من تفكيره أهرمن |
ولم يكونوا يجعلون لهذين الأصلين صورا مجسّمة ، فلذلك لم يكن دينهم من عداد عبادة الطاغوت لاختصاص اسم الطاغوت بالصور والأجسام المعبودة. وهذا الدين من هذه الجهة يشبه الأديان التي لا تعبد صورا محسوسة. وسيأتي الكلام على المجوسيّة عند تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) إلى قوله (وَالْمَجُوسَ) في سورة الحج [١٧].
ويدلّ على أن هذا الدين هو المراد التّعقيب بآية (ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) [سورة النحل : ٥٣] كما سيأتي.
فقوله تعالى : (وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) عطف قصّة على قصّة وهو مرتبط بجملة (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [سورة النحل : ٣٦].
__________________
(١) يزدان بتحتية مفتوحة وزاي ساكنة. وأهرمن بهمزة مفتوحة وهاء ساكنة وراء وميم مضمومتين ونون ساكنة.