مفعول (تَعْلَمُونَ) لظهوره من قوله تعالى : (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) أي تعلمون جزاء كفركم.
(وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦))
عطف حالة من أحوال كفرهم لها مساس بما أنعم الله عليهم من النّعمة ، فهي معطوفة على جملة (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [سورة النحل : ٥٣]. ويجوز أن تكون حالا من الضمير المجرور في قوله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ) على طريق الالتفات.
ويجوز أن تكون معطوفة على (يُشْرِكُونَ) من قوله تعالى : (إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) [سورة النحل : ٥٤].
وما حكي هنا هو من تفاريع دينهم الناشئة عن إشراكهم والتي هي من تفاريع كفران نعمة ربّهم ، إذ جعلوا في أموالهم حقا للأصنام التي لم ترزقهم شيئا. وقد مرّ ذلك في سورة الأنعام عند قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا) [سورة النحل : ١٣٦].
إلا أنه اقتصر هنا على ذكر ما جعلوه لشركائهم دون ما جعلوه لله لأن المقام هنا لتفصيل كفرانهم النّعمة ، بخلاف ما في سورة الأنعام فهو مقام تعداد أحوال جاهليتهم وإن كان كل ذلك منكرا عليهم ، إلا أن بعض الكفر أشدّ من بعض.
والجعل : التصيير والوضع. تقول : جعلت لك في مالي كذا. وجيء هنا بصيغة المضارع للدّلالة على تجدّد ذلك منهم واستمراره ، بخلاف قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) [سورة النحل : ٣٨] بأنه حكاية قضية مضت من عنادهم وجدالهم في أمر البعث.
ومفعول (يَعْلَمُونَ) محذوف لظهوره ، وهو ضمير (ما) ، أي لا يعلمونه. ومثل حذف هذا الضمير كثير في الكلام.
وما صدق صلة (لِما لا يَعْلَمُونَ) هو الأصنام ، وإنما عبّر عنها بهذه الصّلة زيادة في تفظيع سخافة آرائهم ، إذ يفرضون في أموالهم عطاء يعطونه لأشياء لا يعلمون حقائقها بله مبلغ ما ينالهم منها ، وتخيّلات يتخيّلونها ليست من الوجود ولا من الإدراك ولا من الصلاحية للانتفاع في شيء ، كما قال تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ