ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ). وضمير (تَعْلَمُونَ) [سورة الحجر : ٥٥] عائد إلى معاد ضمير (يَجْعَلُونَ).
ووصف النصيب بأنه (مِمَّا رَزَقْناهُمْ) لتشنيع ظلمهم إذ تركوا المنعم فلم يتقرّبوا إليه بما يرضيه في أموالهم مما أمرهم بالإنفاق فيه كإعطاء المحتاج ، وأنفقوا ذلك في التقرّب إلى أشياء موهومة لم ترزقهم شيئا.
ثم وجه الخطاب إليهم على طريقة الالتفات لقصد التهديد. ولا مانع من الالتفات هنا لعدم وجود فاء التفريع كما في قوله تعالى : (فَتَمَتَّعُوا) [سورة النحل : ٥٥].
وتصدير جملة التهديد والوعيد بالقسم لتحقيقه ، إذ السؤال الموعود به يكون يوم البعث وهم ينكرونه فناسب أن يؤكّد.
والقسم بالتاء يختصّ بما يكون المقسم عليه أمرا عجيبا ومستغربا ، كما تقدم في قوله تعالى : (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ) في سورة يوسف [٧٣]. وسيأتي في قوله تعالى : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) في سورة الأنبياء [٥٧]. فالإتيان في القسم هنا بحرف التاء مؤذن بأنهم يسألون سؤالا عجيبا بمقدار غرابة الجرم المسئول عنه.
والسؤال كناية عما يترتّب عليه من العقاب ، لأن عقاب العادل يكون في العرف عقب سؤال المجرم عمّا اقترفه إذ لعلّ له ما يدفع به عن نفسه ، فأجرى الله أمر الحساب يوم البعث على ذلك السنن الشريف. والتعبير عنه ب (كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) كناية عن استحقاقهم العقاب لأن الكذب على الله جريمة.
والإتيان بفعل الكون وبالمضارع للدّلالة على أن الافتراء كان من شأنهم ، وكان متجددا ومستمرا منهم ، فهو أبلغ من أن يقال : عمّا تفترون ، وعمّا افتريتم.
(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (٥٧))
عطف على جملة (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) [سورة النحل : ٥٦].
هذا استدلال بنعمة الله عليهم بالبنين والبنات ، وهي نعمة النّسل ، كما أشار إليه قوله تعالى : (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) ، أي ما يشتهون مما رزقناهم من الذّرية.
وأدمج في هذا الاستدلال وهذا الامتنان ذكر ضرب شنيع من ضروب كفرهم. وهو