جعلهم لله البنات اللاتي يأنفون منها لأنفسهم ، ووصف ذلك بأنه حكم سوء ، ووصف حالهم بأنها مثل سوء ، وعرفهم بأخصّ عقائدهم أنهم لا يؤمنون بالآخرة ، أتبع ذلك بالوعيد على أقوالهم وأفعالهم.
والظّلم : الاعتداء على الحقّ. وأعظمه الاعتداء على حقّ الخالق على مخلوقاته ، وهو حقّ إفراده بالعبادة ، ولذلك كان الظلم في القرآن إذا لم يعدّ إلى مفعول نحو (ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [سورة آل عمران : ١١٧] مرادا منه أعظم الظلم وهو الشرك حتى صار ذلك حقيقة عرفية في مصطلح القرآن ، وهو المراد هنا من هذا الإنذار. وأما الظلم الذي هو دون الإشراك بالله فغير مراد هنا لأنه مراتب متفاوتة كما يأتي قريبا فلا يقتضي عقاب الاستئصال على عمومه.
والتعريف في (النَّاسَ) يحمل على تعريف الجنس ليشمل جميع الناس ، لأن ذلك أنسب بمقام الزجر ، فليس قوله تعالى : (النَّاسَ) مرادا به خصوص المشركين من أهل مكة الذين عادت عليهم الضمائر المتقدمة في قوله : (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) [سورة النحل:٥٥] وما بعده من الضمائر ، وبذلك لا يكون لفظ (النَّاسَ) إظهارا في مقام الإضمار.
وضمير (عَلَيْها) صادق على الأرض وإن لم يجر لها ذكر في الكلام فإن المقام دالّ عليها. وذلك استعمال معروف في كلامهم كقوله تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [سورة ص : ٣٢] يعني الشمس ، ويقولون : أصبحت باردة ، يريدون الغداة ، ويقول أهل المدينة: ما بين لابتيها أحد يفعل كذا ، يريدون لابتي المدينة.
والدّابة : اسم لما يدبّ على الأرض ، أي يمشي ، وتأنيثه بتأويل ذات. وخصّ اسم (دَابَّةٍ) في الاستعمال بالإطلاق على ما عدا الإنسان مما يمشي على الأرض.
وحرف (لَوْ) حرف امتناع لامتناع ، أي حرف شرط يدلّ على امتناع وقوع جوابه لأجل امتناع وقوع شرطه. وشرط (لَوْ) ملازم للزمن الماضي فإذا وقع بعد (لَوْ) مضارع انصرف إلى الماضي غالبا.
فالمعنى : لو كان الله مؤاخذا الخلق على شركهم لأفناهم من الأرض وأفنى الدوابّ معهم ، أي ولكنه لم يؤاخذهم.
ودليل انتفاء شرط (لَوْ) هو انتفاء جوابها ، ودليل انتفاء جوابها هو المشاهدة ، فإن الناس والدوابّ ما زالوا موجودين على الأرض.