وقد تقدم في قوله تعالى : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) في سورة الأنعام[١٠٠].
وسيأتي في آخر هذه السورة (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) [سورة النحل : ١١٦]. ومنه قول المعرّي :
سرى برق المعرّة بعد وهن |
|
فبات برامة يصف الكلالا |
أي يشكو الإعياء من قطع مسافة طويلة في زمن قليل ، وهو من بديع استعاراته.
والمراد من هذا الكذب كل ما يقولونه من أقوال خاصتهم ودهمائهم باعتقاد أو تهكّم. فمن الأول قول العاصي بن وائل المحكي في قوله تعالى : (وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) [سورة مريم : ٧٧] وفي قوله تعالى : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) [سورة فصلت : ٥٠]. ومن الثاني قولهم في البليّة : أن صاحبها يركبها يوم القيامة لكيلا يعيى.
وانتصب (الْكَذِبَ) على أنه مفعول (تَصِفُ).
و (أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) بدل من (الْكَذِبَ) أو (الْحُسْنى) صفة لمحذوف ، أي الحالة الحسنى.
وجملة (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) جواب عن قولهم المحكي. ومعنى لا جرم لا شكّ ، أي حقا. وتقدم في سورة هود.
و (مُفْرَطُونَ) ـ بكسر الراء المخففة ـ في قراءة نافع : اسم فاعل من أفرط ، إذا بلغ غاية شيء ما ، أي مفرطون في الأخذ من عذاب النار.
وقرأه أبو جعفر ـ بكسر الراء مشددة ـ من فرّط المضاعف. وقرأه البقية ـ بفتح الراء مخففة ـ على زنة اسم المفعول ، أي مجعولون فرطا ـ بفتحتين ـ وهو المقدم إلى الماء ليسقي.
والمراد : أنهم سابقون إلى النار معجّلون إليها لأنهم أشدّ أهل النار استحقاقا لها ، وعلى هذا الوجه يكون إطلاق الإفراط على هذا المعنى استعارة تهكّمية كقول عمرو بن كلثوم:
فعجّلنا القرى أن تشتمونا
أراد فبادرنا بقتالكم حين نزلتم بنا مغيرين علينا.