وأمعاء.
و (من) في قوله تعالى : (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) ابتدائية ، لأن اللبن يفرز عن العلف الذي في البطون. وما صدق «ما في بطونه» العلف. ويجوز جعلها تبعيضية ويكون ما صدق «ما في بطونه» هو اللبن اعتدادا بحالة مروره في داخل الأجهزة الهضمية قبل انحداره في الضرع.
و (مِنْ) في قوله تعالى : (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ) زائدة لتوكيد التوسّط ، أي يفرز في حالة بين حالتي الفرث والدم.
ووقع البيان ب (نُسْقِيكُمْ) دون أن يقال : تشربون أو نحوه ، إدماجا للمنّة مع العبرة.
ووجه العبرة في ذلك أن ما تحتويه بطون الأنعام من العلف والمرعى ينقلب بالهضم في المعدة ، ثم الكبد ، ثم غدد الضرع ، مائعا يسقى وهو مفرز من بين أفراز فرث ودم.
والفرث : الفضلات التي تركها الهضم المعدي فتنحدر إلى الأمعاء فتصير فرثا. والدّم : إفراز تفرزه الكبد من الغذاء المنحدر إليها ويصعد إلى القلب فتدفعه حركة القلب الميكانيكية إلى الشرايين والعروق ويبقى يدور كذلك بواسطة القلب. وقد تقدم ذكره عند قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) في سورة العقود [٣].
ومعنى كون اللّبن من بين الفرث والدم أنه إفراز حاصل في حين إفراز الدّم وإفراز الفرث. وعلاقته بالفرث أن الدم الذي ينحدر في عروق الضرع يمرّ بجوار الفضلات البوليّة والثفلية ، فتفرزه غدد الضرع لبنا كما تفرزه غدد الكليتين بولا بدون معالجة زائدة ، وكما تفرز تكاميش الأمعاء ثفلا بدون معالجة بخلاف إفراز غدد المثانة للمنيّ لتوقّفه على معالجة ينحدر بها الدم إليها.
وليس المراد أن اللّبن يتميّع من بين طبقتي فرث ودم ، وإنما الذي أوهم ذلك من توهمه حمله (بَيْنِ) على حقيقتها من ظرف المكان ، وإنما هي تستعمل كثيرا في المكان المجازي فيراد بها الوسط بين مرتبتين كقولهم : الشجاعة صفة بين التهوّر والجبن. فمن بلاغة القرآن هذا التعبير القريب للأفهام لكل طبقة من الناس بحسب مبالغ علمهم ، مع كونه موافقا للحقيقة.
والمعنى : إفراز ليس هو بدم لأنه ألين من الدم ، ولأنه غير باق في عروق الضرع كبقاء الدّم في العروق ، فهو شبيه بالفضلات في لزوم إفرازه ، وليس هو بالفضلة لأنه إفراز