طاهر نافع مغذّ ، وليس قذرا ضارا غير صالح للتغذية كالبول والثفل.
وموقع (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ) موقع الصفة ل (لَبَناً) ، قدمت عليه للاهتمام بها لأنها موضع العبرة ، فكان لها مزيد اهتمام ، وقد صارت بالتقديم حالا.
ولما كان اللبن يحصل في الضرع لا في البطن جعل مفعولا ل (نُسْقِيكُمْ) ، وجعل (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) تبيينا لمصدره لا لمورده ، فليس اللبن مما في البطون ؛ ولذلك كان (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) متقدما في الذكر ليظهر أنه متعلق بفعل (نُسْقِيكُمْ) وليس وصفا للّبن.
وقد أحاط بالأوصاف التي ذكرناها للّبن قوله تعالى : (خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ). فخلوصه نزاهته مما اشتمل عليه البول والثفل ، وسوغه للشاربين سلامته مما يشتمل عليه الدم من المضار لمن شربه ، فلذلك لا يسيغه الشارب ويتجهّمه.
وهذا الوصف العجيب من معجزات القرآن العلمية ، إذ هو وصف لم يكن لأحد من العرب يومئذ أن يعرف دقائق تكوينه ، ولا أن يأتي على وصفه بما لو وصف به العالم الطبيعي لم يصفه بأوجز من هذا وأجمع.
وإفراد ضمير الأنعام في قوله تعالى : (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) مراعاة لكون اللفظ مفردا لأن اسم الجمع لفظ مفرد ، إذ ليس من صيغ الجموع ، فقد يراعى اللفظ فيأتي ضميره مفردا ، وقد يراعى معناه فيعامل معاملة الجموع ، كما في آية سورة المؤمنين [٢١] (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها).
والخالص : المجرّد مما يكدّر صفاءه ، فهو الصافي. والسائغ : السهل المرور في الحلق.
وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب (نُسْقِيكُمْ) ـ بفتح النون ـ مضارع سقى. وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف ـ بضم النون ـ على أنه مضارع أسقى ، وهما لغتان ، وقرأه أبو جعفر بمثناة فوقية مفتوحة عوضا عن النون على أن الضمير للأنعام.
(وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧))
عطف على جملة (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) [سورة النحل : ٦٦].