لأنهما حلوان لذيذان يؤكلان رطبين ويابسين قابلان للادخار ، ومن أحوال عصير العنب أن يصير خلا وربّا.
وجملة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) تكرير لتعداد الآية لأنها آية مستقلة.
والقول في جملة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) مثل قوله آنفا : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [سورة النحل : ٦٥]. والإشارة إلى جميع ما ذكر من نعمة سقي الألبان وسقي السكر وطعم الثمر.
واختير وصف العقل هنا لأن دلالة تكوين ألبان الأنعام على حكمة الله تعالى يحتاج إلى تدبّر فيما وصفته الآية هنا ، وليس هو ببديهي كدلالة المطر كما تقدم.
[٦٨ ، ٦٩] (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٦٩))
عطف عبرة على عبرة ومنّة على منّة. وغيّر أسلوب الاعتبار لما في هذه العبرة من تنبيه على عظيم حكمة الله تعالى ، إذ أودع في خلقة الحشرة الضعيفة هذه الصّنعة العظيمة وجعل فيها هذه المنفعة ، كما أودع في الأنعام ألبانها وأودع في ثمرات النخيل والأعناب شرابا ، وكان ما في بطون النّحل وسطا بين ما في بطون الأنعام وما في قلب الثمار ، فإن النّحل يمتصّ ما في الثمرات والأنوار من المواد السكّرية العسليّة ثم يخرجه عسلا كما يخرج اللبن من خلاصة المرعى.
وفيه عبرة أخرى وهي أن أودع الله في ذبابة النحل إدراكا لصنع محكم مضبوط منتج شرابا نافعا لا يحتاج إلى حلب الحالب.
فافتتحت الجملة بفعل (أَوْحى) دون أن تفتتح باسم الجلالة مثل جملة (وَاللهُ أَنْزَلَ) [سورة النحل : ٦٥] ، لما في (أَوْحى) من الإيماء إلى إلهام تلك الحشرة الضعيفة تدبيرا عجيبا وعملا متقنا وهندسة في الجبلة.
فكان ذلك الإلهام في ذاته دليلا على عظيم حكمة الله تعالى فضلا على ما بعده من دلالة على قدرة الله تعالى ومنّة منه.
والوحي : الكلام الخفيّ والإشارة الدّالة على معنى كلاميّ. ومنه سمّي ما يلقيه