الملك إلى الرسول وحيا لأنه خفيّ عن أسماع الناس.
وأطلق الوحي هنا على التكوين الخفيّ الذي أودعه الله في طبيعة النحل ، بحيث تنساق إلى عمل منظّم مرتّب بعضه على بعض لا يختلف فيه آحادها تشبيها للإلهام بكلام خفيّ يتضمّن ذلك الترتيب الشّبيه بعمل المتعلّم بتعليم المعلّم ، أو المؤتمر بإرشاد الآمر ، الذي تلقّاه سرّا ، فإطلاق الوحي استعارة تمثيليّة.
و (النَّحْلِ) : اسم جنس جمعي ، واحده نحلة ، وهو ذباب له جرم بقدر ضعفي جرم الذّباب المتعارف ، وأربعة أجنحة ، ولون بطنه أسمر إلى الحمرة ، وفي خرطومه شوكة دقيقة كالشوكة التي في ثمرة التين البربري (المسمى بالهندي) مختفية تحت خرطومه يلسع بها ما يخافه من الحيوان ، فتسمّ الموضع سمّا غير قوي ، ولكن الذبابة إذا انفصلت شوكتها تموت. وهو ثلاثة أصناف : ذكر وأنثى وخنثى ، فالذكور هي التي تحرس بيوتها ولذلك تكون محوّمة بالطيران والدّوي أمام البيت وهي تلقح الإناث لقاحا به تلد الإناث إناثا.
والإناث هي المسمّاة اليعاسيب ، وهي أضخم جرما من الذكور. ولا تكون التي تلد في البيوت إلا أنثى واحدة ، وهي قد تلد بدون لقاح ذكر ؛ ولكنّها في هذه الحالة لا تلد إلا ذكورا فليس في أفراخها فائدة لإنتاج الوالدات.
وأما الخنثى فهي التي تفرز العسل ، وهي العواسل ، وهي أصغر جرما من الذكور وهي معظم سكان بيت النّحل.
و (أَنِ) تفسيرية ، وهي ترشيح للاستعارة التمثيلية ، لأنّ (أَنِ) التفسيريّة من روادف الأفعال الدالة على معنى القول دون حروفه.
واتّخاذ البيوت هو أوّل مراتب الصنع الدّقيق الذي أودعه الله في طبائع النحل فإنها تبني بيوتا بنظام دقيق ، ثم تقسم أجزاءها أقساما متساوية بأشكال مسدّسة الأضلاع بحيث لا يتخلّل بينها فراغ تنساب منه الحشرات ، لأن خصائص الأشكال المسدّسة إذا ضمّ بعضها إلى بعض أن تتّصل فتصير كقطعة واحدة ، وما عداها من الأشكال من المثلّث إلى المعشّر إذا جمع كلّ واحد منها إلى أمثاله لم تتّصل وحصلت بينها فرج ، ثم تغشي على سطوح المسدّسات بمادة الشمع ، وهو مادة دهنية متميّعة أقرب إلى الجمود ، تتكوّن في كيس دقيق جدا تحت حلقة بطن النحلة العاملة فترفعه النحلة بأرجلها إلى فمها وتمضغه وتضع بعضه لصق بعض لبناء المسدّس المسمى بالشهد لتمنع تسرّب العسل منها.