و (الثَّمَراتِ) : جمع ثمرة. وأصل الثمرة ما تخرجه الشجرة من غلّة ، مثل التّمر والعنب ؛ والنحل يمتصّ من الأزهار قبل أن تصير ثمرات ، فأطلق (الثَّمَراتِ) في الآية على الأزهار على سبيل المجاز المرسل بعلاقة الأول.
وعطفت جملة (فَاسْلُكِي) بفاء التفريع للإشارة إلى أن الله أودع في طبع النحل عند الرعي التنقّل من زهرة إلى زهرة ومن روضة إلى روضة ، وإذا لم تجد زهرة أبعدت الانتجاع ثم إذا شبعت قصدت المبادرة بالطيران عقب الشبع لترجع إلى بيوتها فتقذف من بطونها العسل الذي يفضل عن قوتها ، فذلك السلوك مفرع على طبيعة أكلها.
وبيان ذلك أن للأزهار وللثمار غددا دقيقة تفرز سائلا سكريا تمتصّه النحل وتملأ به ما هو كالحواصل في بطونها وهو يزداد حلاوة في بطون النحل باختلاطه بمواد كيميائية مودعة في بطون النحل ، فإذا راحت من مرعاها إلى بيوتها أخرجت من أفواهها ما حصل في بطونها بعد أن أخذ منه جسمها ما يحتاجه لقوته ، وذلك يشبه اجترار الحيوان المجترّ. فذلك هو العسل.
والعسل حين القذف به في خلايا الشهد يكون مائعا رقيقا ، ثم يأخذ في جفاف ما فيه من رطوبة مياه الأزهار بسبب حرارة الشمع المركّب منه الشهد وحرارة بيت النحل حتى يصير خاثرا ، ويكون أبيض في الربيع وأسمر في الصيف.
والسلوك : المرور وسط الشيء من طريق ونحوه. وتقدم عند قوله تعالى : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) في سورة الحجر [١٢].
ويستعمل في الأكثر متعدّيا كما في آية الحجر بمعنى أسلكه ، وقاصرا بمعنى مرّ كما هنا ، لأن السّبل لا تصلح لأن تكون مفعول (سلك) المتعدي ، فانتصاب (سُبُلَ) هنا على نزع الخافض توسعا.
وإضافة السبل إلى (رَبِّكِ) للإشارة إلى أن النحل مسخّرة لسلوك تلك السبل لا يعدلها عنها شيء ، لأنها لو لم تسلكها لاختلّ نظام إفراز العسل منها.
و (ذُلُلاً) جمع ذلول ، أي مذلّلة مسخّرة لذلك السلوك. وقد تقدم عند قوله تعالى: (ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ) في سورة البقرة [٧١].
وجملة (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ) مستأنفة استئنافا بيانيا ، لأن ما تقدم من الخبر عن إلهام النحل تلك الأعمال يثير في نفس السامع أن يسأل عن الغاية من هذا التكوين