لأنه يصير شبيها بالعجماوات.
واستعارة حرف العلّة إلى معنى العاقبة مستعملة في الكلام البليغ في مقام التوبيخ أو التخطئة أو نحو ذلك. وتقدم عند قوله تعالى : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) في سورة آل عمران : [١٧٨]. وقد تقدّم القول قريبا في ذلك عند قوله تعالى : (إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) في هذه السورة [٥٥].
وتنكير (عِلْمٍ) تنكير الجنس. والمعنى : لكيلا يعلم شيئا بعد أن كان له علم ، أي ليزول منه قبول العلم.
وجملة (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) تذييل تنبيها على أن المقصود من الجملة الدلالة على عظم قدرة الله وعظم علمه. وقدم وصف العليم لأن القدرة تتعلّق على وفق العلم ، وبمقدار سعة العلم يكون عظم القدرة ، فضعيف القدرة يناله تعب من قوة علمه لأن همّته تدعوه إلى ما ليس بالنائل ، كما قال أبو الطّيب :
وإذا كانت النفوس كبارا |
|
تعبت في مرادها الأجسام |
(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٧١))
هذا من الاستدلال على أن التّصرف القاهر لله تعالى. وذلك أنه أعقب الاستدلال بالإحياء والإماتة وما بينهما من هرم بالاستدلال بالرّزق.
ولما كان الرّزق حاصلا لكل موجود بني الاستدلال على التّفاوت فيه بخلاف الاستدلال بقوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) [سورة النحل : ٧٠].
ووجه الاستدلال به على التصرّف القاهر أن الرزق حاصل لجميع الخلق وأن تفاضل الناس فيه غير جار على رغباتهم ولا على استحقاقهم ؛ فقد تجد أكيس الناس وأجودهم عقلا وفهما مقتّرا عليه في الرزق ، وبضدّه ترى أجهل الناس وأقلّهم تدبيرا موسّعا عليه في الرزق ، وكلا الرجلين قد حصل له ما حصل قهرا عليه ، فالمقتّر عليه لا يدري أسباب التّقتير ، والموسّع عليه لا يدري أسباب تيسير رزقه ، ذلك لأن الأسباب كثيرة متوالدة ومتسلسلة ومتوغّلة في الخفاء حتى يظن أن أسباب الأمرين مفقودة وما هي بمفقودة ولكنها غير محاط بها. ومما ينسب إلى الشافعي :