أبى لك كسب الحمد رأي مقصّر |
|
ونفس أضاق الله بالخير باعها |
إذا هي حثّته على الخير مرّة |
|
عصاها وإن همّت بشر أطاعها |
ثم صرّح بما وقع التعريض به بقوله : (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ).
وقرأ أبو بكر عن عاصم ورويس عن يعقوب تجحدون بالمثناة الفوقية على مقتضى الظاهر ويكون الاستفهام مستعملا في التحذير.
وتصلح جملة (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) أن تكون مفرّعة على جملة (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ) ، فيكون التوبيخ متوجّها إلى فريق من المشركين وهم الذين فضلوا بالرزق وهم أولو السّعة منهم وسادتهم وقد كانوا أشدّ كفرا بالدين وتألّبا على المسلمين ، أي أيجحد الذين فضلوا بنعمة الله إذ أفاض عليهم النّعمة فيكونوا أشد إشراكا به ، كقوله تعالى : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) [سورة المزمل : ١١].
وعلى هذا الوجه يكون قوله تعالى : (يَجْحَدُونَ) في قراءة الجمهور بالتحتية جاريا على مقتضى الظاهر. وفي قراءة أبي بكر عن عاصم بالمثناة الفوقية التفاتا من الغيبة إلى خطابهم إقبالا عليهم بالخطاب لإدخال الروع في نفوسهم.
وقد عدّي فعل (يَجْحَدُونَ) بالباء لتضمّنه معنى يكفرون ، وتكون الباء لتوكيد تعلّق الفعل بالمفعول مثل (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [سورة المائدة : ٦]. وتقديم «بنعمة الله» على متعلّقة وهو (يَجْحَدُونَ) للرعاية على الفاصلة.
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢))
عطف على التي قبلها ، وهو استدلال ببديع الصنع في خلق النسل إذ جعل مقارنا للتأنّس بين الزوجين ، إذ جعل النسل منهما ولم يجعله مفارقا لأحد الأبوين أو كليهما.
وجعل النسل معروفا متصلا بأصوله بما ألهمه الإنسان من داعية حفظ النسب ، فهي من الآيات على انفراده تعالى بالوحدانية كما قال تعالى في سورة الروم [٢١] : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). فجعلها آية تنطوي على آيات ، ويتضمّن ذلك الصنع نعما كثيرة ، كما أشار إليه قوله تعالى : (وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ).