وهذه الجملة المعطوفة أفادت التّوبيخ على شكر ما لا يستحقّ الشكر ، فإن العبادة شكر ، فهم عبدوا ما لا يستحقّ العبادة ولا بيده نعمة ، وهو الأصنام ، لأنها لا تملك ما يأتيهم من الرزق لاحتياجها ، ولا تستطيع رزقهم لعجزها. فمفاد هذه الجملة مؤكّد لمفاد ما قبلها مع اختلاف الاعتبار بموجب التّوبيخ في كلتيهما.
وملك الرزق القدرة على إعطائه. والملك يطلق على القدرة ، كما تقدم في قوله تعالى: (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) في سورة العقود [١٧].
والرزق هنا مصدر منصوب على المفعوليّة ، أي لا يملك أن يرزق.
و (مِنْ) في (مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ابتدائية ، أي رزقا موصوفا بوروده من السماوات والأرض.
و (شَيْئاً) مبالغة في المنفيّ ، أي ولا يملكون جزءا قليلا من الرزق ، وهو منصوب على البدلية من (رِزْقاً). فهو في معنى المفعول به كأنه قيل : لا يملك لهم شيئا من الرزق.
(وَلا يَسْتَطِيعُونَ) عطف على (يَمْلِكُ) ، فهو من جملة صلة (ما) ، فضمير الجمع عائد إلى (ما) الموصولة باعتبار دلالتها على جماعة الأصنام المعبودة لهم. وأجريت عليها صيغة جمع العقلاء مجاراة لاعتقادهم أنها تعقل وتشفع وتستجيب.
وحذف مفعول (يَسْتَطِيعُونَ) لقصد التعميم ، أي لا يستطيعون شيئا لأن تلك الأصنام حجارة لا تقدر على شيء. والاستطاعة : القدرة.
(فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧٤))
تفريع على جميع ما سبق من الآيات والعبر والمنن ، إذ قد استقام من جميعها انفراد الله تعالى بالإلهية ، ونفي الشريك له فيما خلق وأنعم ، وبالأولى نفي أن يكون له ولد وأن يشبه بالحوادث ؛ فلا جرم استتبّ للمقام أن يفرع على ذلك زجر المشركين عن تمثيلهم غير الله بالله في شيء من ذلك ، وأن يمثّلوه بالموجودات.
وهذا جاء على طريقة قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) [سورة البقرة : ٢١] إلى قوله تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة: