البصري (١) سئل عن السرّ في تطرق التغيير للكتب السالفة وسلامة القرآن من طرق التغيير له. فأجاب بأن الله أوكل للأحبار حفظ كتبهم فقال : (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ) [سورة المائدة : ٤٤] وتولى حفظ القرآن بذاته تعالى فقال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
قال أبو الحسن بن المنتاب ذكرت هذا الكلام للمحاملي فقال لي : لا أحسن من هذا الكلام (٢).
وفي تفسير «القرطبي» في خبر رواه عن يحيى بن أكثم : أنه ذكر قصة إسلام رجل يهودي في زمن المأمون ، وحدث بها سفيان بن عيينة فقال سفيان : قال الله في التوراة والإنجيل (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ) فجعل حفظه إليهم فضاع. وقال عزوجل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) فحفظه الله تعالى علينا فلم يضع» اه. ولعل هذا من توارد الخواطر.
وفي هذا مع التنويه بشأن القرآن إغاظة للمشركين بأن أمر هذا الدين سيتم وينتشر القرآن ويبقى على ممرّ الأزمان. وهذا من التحدّي ليكون هذا الكلام كالدليل على أن القرآن منزّل من عند الله آية على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم لأنه لو كان من قول البشر أو لم يكن آية لتطرّقت إليه الزيادة والنقصان ولاشتمل على الاختلاف ، قال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [سورة النساء : ٨٢].
[١٠ ـ ١١] (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١١)).
__________________
(١) هو القاضي إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حمّاد الأزدي البصري ثم البغدادي المالكي الإمام المفسّر قاضي بغداد ولد سنة ٢٠٠ وتوفي في ذي الحجة سنة ٣٨٢ أخذ عن أصحاب مالك بن أنس مثل عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وأخذ عن أئمة الحديث مثل إسماعيل بن أبي أويس وعلي بن المديني وأبي بكر بن أبي شيبة. قال الباجي لم تحصل درجة الاجتهاد واجتماع آلته بعد مالك إلا لإسماعيل القاضي
(٢) أبو الحسن عبيد الله بن المنتاب البغدادي المالكي قاضي المدينة المنورة في زمن المقتدر (من سنة ٢٩٥ إلى سنة ٣٢٠) كان من أصحاب القاضي إسماعيل. والمحاملي نسبة إلى صنع المحامل فهو بفتح الميم ، وهو الحسين بن إسماعيل. روى عن البخاري. وولي قضاء الكوفة وتوفي سنة ٣٨٠.