على الله ، وفي الحديث «الحمد رأس الشّكر» (١).
جيء بهذه الجملة البليغة الدّلالة المفيدة انحصار الحمد في ملك الله تعالى ، وهو إما حصر ادّعائي لأن الحمد إنما يكون على نعمة ، وغير الله إذا أنعم فإنما إنعامه مظهر لنعمة الله تعالى التي جرت على يديه ، كما تقدم في صدر سورة الفاتحة ، وإما قصر إضافي قصر إفراد للردّ على المشركين إذ قسموا حمدهم بين الله وبين آلهتهم.
ومناسبة هذا الاعتراض هنا تقدّم قوله تعالى : (وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) [سورة النحل : ٧٢] (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً) [سورة النحل : ٧٣]. فلما ضرب لهم المثل المبيّن لخطئهم وأعقب بجملة (هَلْ يَسْتَوُونَ) ثني عنان الكلام إلى الحمد لله لا للأصنام.
وجملة (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) إضراب للانتقال من الاستدلال عليهم إلى تجهيلهم في عقيدتهم.
وأسند نفي العلم إلى أكثرهم لأن منهم من يعلم الحقّ ويكابر استبقاء للسيادة واستجلابا لطاعة دهمائهم ، فهذا ذمّ لأكثرهم بالصراحة وهو ذمّ لأقلّهم بوصمة المكابرة والعناد بطريق التعريض.
وهذا نظير قوله تعالى في سورة الزمر [٢٩] (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ).
وإنما جاءت صيغة الجمع في قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوُونَ) لمراعاة أصحاب الهيئة المشبّهة ، لأنها أصنام كثيرة كل واحد منها مشبّه بعبد مملوك لا يقدر على شيء ، فصيغة الجمع هنا تجريد للتمثيلية ، أي هل يستوي أولئك مع الإله الحقّ القادر المتصرّف. وإنما أجري ضمير جمعهم على صيغة جمع العالم تغليبا لجانب أحد التمثيلين وهو جانب الإله القادر.
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ
__________________
(١) رواه عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر مرفوعا وفي سنده انقطاع ، وروى الديلمي ما يؤيّد معنى هذا الحديث من حديث أنس بن مالك مرفوعا.