هو القرب المكاني كناية عن كونه في المقدوريّة بمنزلة الشيء القريب التّناول كقوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [سورة ق : ١٦].
وعلى الوجه الثاني في تفسيره يكون القرب قرب الزمان ، أي أقرب من لمح البصر حصّة ، أي أسرع حصولا.
والتذييل بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) صالح لكلا التفسيرين.
(وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨))
عود إلى إكثار الدلائل على انفراد الله بالتصرّف وإلى تعداد النّعم على البشر عطفا على جملة (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [النحل : ٧٢] بعد ما فصل بين تعداد النّعم بما اقتضاه الحال من التذكير والإنذار.
وقد اعتبر في هذه النّعم ما فيها من لطف الله تعالى بالناس ليكون من ذلك التخلّص إلى الدعوة إلى الإسلام وبيان أصول دعوة الإسلام في قوله تعالى : (كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) [سورة النحل : ٨١] إلى آخره.
والمعنى : أنه كما أخرجكم من عدم وجعل فيكم الإدراك وما يتوقّف عليه الإدراك من الحياة فكذلك ينشئكم يوم البعث بعد العدم.
وإذ كان هذا الصّنع دليلا على إمكان البعث فهو أيضا باعث على شكر الله بتوحيده ونبذ الإشراك فإن الإنعام يبعث العاقل على الشكر.
وافتتاح الكلام باسم الجلالة وجعل الخبر عنه فعلا تقدم بيانه عند قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) [سورة النحل : ٦٥] والآيات بعده.
والإخراج الإبراز من مكان إلى آخر.
والأمّهات : جمع أمّ. وقد تقدم عند قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) في سورة النساء [٢٣].
والبطن : ما بين ضلوع الصدر إلى العانة ، وفيه الأمعاء والمعدة والكبد والرحم.
وجملة (لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) حال من الضمير المنصوب في (أَخْرَجَكُمْ). وذلك أن