ويجوز أن يكون نفي الإذن كناية عن الطّرد كما كان الإذن كناية عن الإكرام ، كما في حديث جرير بن عبد الله «ما استأذنت رسول الله منذ أسلمت إلا أذن لي». وحينئذ لا يقدّر له متعلّق أو لا يؤذن لهم في الخروج من جهنّم حين يسألونه بقولهم : (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ) [سورة غافر : ٤٩] فهو كقوله تعالى : (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) [سورة الجاثية : ٣٥].
والاستعتاب : أصله طلب العتبى ، والعتبى : الرضى بعد الغضب ، يقال : استعتب فلان فلانا فأعتبه ، إذا أرضاه ، قال تعالى : (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) [سورة فصلت : ٢٤].
وإذا بني للمجهول فالأصل أن يكون نائب فاعله هو المطلوب منه الرضى ، تقول : استعتب فلان فلم يعتب. وأما ما وقع في القرآن منه مبنيّا للمجهول فقد وقع نائب فاعله ضمير المستعتبين كما في هذه الآية ، وكما في قوله تعالى في سورة الروم [٥٧] : فيومئذ لا تنفع (الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) ، وفي سورة الجاثية [٣٥] : (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ). ففسّره الراغب فقال : الاستعتاب أن يطلب من الإنسان أن يطلب العتبى اه.
وعليه فيقال : استعتب فلم يستعتب ، ويقال : على الأصل استعتب فلان فلم يعتب. وهذا استعمال نشأ عن الحذف. وأصله : استعتب له ، أي طلب منه أن يستعتب ، فكثر في الاستعمال حتى قلّ استعمال استعتب مبنيّا للمجهول في غير هذا المعنى.
وعطف (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) على (لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) وإن كان أخصّ منه ، فهو عطف خاص على عام ، للاهتمام بخصوصه للدّلالة على أنهم مأيوس من الرضى عنهم عند سائر أهل الموقف بحيث يعلمون أن لا طائل في استعتابهم ، فلذلك لا يشير أحد عليهم بأن يستعتبوا. فإن جعلت (لا يُؤْذَنُ) كناية عن الطّرد فالمعنى : أنهم يطردون ولا يجدون من يشير عليهم بأن يستعتبوا.
(وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥))
عطف على جملة (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) [سورة النحل : ٨٤]. و (إِذا) شرطية ظرفية.
وجملة (فَلا يُخَفَّفُ) جواب (إِذا). وقرن بالفاء لتأكيد معنى الشرطية والجوابية