وأما صريح كلامهم وهو قولهم : (هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ) فهم صادقون فيه.
وجملة (إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) بدل من (الْقَوْلَ). وأعيد فعل ألقوا في قوله : (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) لاختلاف فاعل الإلقاء ، فضمير القول الثاني عائد إلى (الَّذِينَ أَشْرَكُوا).
ولك أن تجعل فعل ألقوا الثاني مماثلا لفعل (أَلْقَوْا) السابق. ولك أن تجعل الإلقاء تمثيلا لحالهم بحال المحارب إذا غلب إذ يلقي سلاحه بين يدي غالبه ، ففي قوله : (أَلْقَوْا) مكنية تمثيلية مع ما في لفظ (أَلْقَوْا) من المشاكلة.
و (السَّلَمَ) ـ بفتح اللام ـ : الاستسلام ، أي الطاعة وترك العناد.
(وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي غاب عنهم وزايلهم ما كانوا يفترونه في الدنيا من الاختلافات للأصنام من أنها تسمع لهم ونحو ذلك.
(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨))
لما ذكر العذاب الذين هم لاقوه على كفرهم استأنف هنا بذكر زيادة العذاب لهم على الزّيادة في كفرهم بأنهم يصدّون الناس عن اتّباع الإسلام ، وهو المراد بالصدّ عن سبيل الله ، أي السبيل الموصلة إلى الله ، أي إلى الكون في أوليائه وحزبه. والمقصود : تنبيه المسلمين إلى كيدهم وإفسادهم ، والتّعريض بالتّحذير من الوقوع في شراكهم.
وزيادة العذاب : مضاعفته.
والتّعريف في قوله تعالى : (فَوْقَ الْعَذابِ) تعريف الجنس المعهود حيث تقدّم ذكره في قوله تعالى : (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ) [سورة النحل : ٨٥] ، لأن عذاب كفرهم لما كان معلوما بكثرة الحديث عنه صار كالمعهود ؛ وأما عذاب صدّهم الناس فلا يخطر بالبال فكان مجهولا فناسبه التنكير.
والباء في (بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) للسببية. والمراد : إفسادهم الراغبين في الإسلام بتسويل البقاء على الكفر ، كما فعلوا مع الأعشى حين جاء مكّة راغبا في الإسلام مادحا الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بقصيدة :
هل اغتمضت عيناك ليلة أرمدا