وليس في قوله : (عَلى هؤُلاءِ) ما يقتضي تخصيص شهادته بكونها شهادة على المتحدّث عنهم من أهل الشرك ، ولكن اقتصر عليهم لأن الكلام جار في تهديدهم وتحذيرهم.
و (هؤُلاءِ) إشارة إلى حاضر في الذّهن وهم المشركون الذين أكثر الحديث عليهم.
وقد تتبّعت مواقع أمثال اسم الإشارة هذا في القرآن فرأيته يعنى به المشركون من أهل مكّة. وتقدّم بيانه عند قوله تعالى : (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) في سورة النساء [٤١] ، وقوله تعالى : (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ) في سورة الأنعام [٨٩].
(وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ).
عطف على جملة (وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً) أي أرسلناك شهيدا على المشركين وأنزلنا عليك القرآن لينتفع به المسلمون ، فرسول الله صلىاللهعليهوسلم شهيد على المكذّبين ومرشد للمؤمنين.
وهذا تخلّص للشروع في تعداد النّعم على المؤمنين من نعم الإرشاد ونعم الجزاء على الامتثال وبيان بركات هذا الكتاب المنزّل لهم.
وتعريف الكتاب للعهد ، وهو القرآن.
و (تِبْياناً) مفعول لأجله. والتّبيان مصدر دالّ على المبالغة في المصدرية ، ثم أريد به اسم الفاعل فحصلت مبالغتان ، وهو ـ بكسر التاء ـ ، ولا يوجد مصدر بوزن تفعال ـ بكسر التاء ـ إلا تبيان بمعنى البيان كما هنا. وتلقاء بمعنى اللّقاء لا بمعنى المكان ، وما سوى ذلك من المصادر الواردة على هذه الزّنة فهي ـ بفتح التاء ـ.
وأما أسماء الذوات والصفات الواردة على هذه الزنة فهي ـ بكسر التاء ـ وهي قليلة ، عدّ منها : تمثال ، وتنبال ، للقصير. وأنهاها ابن مالك في نظم الفوائد (١) إلى أربع عشرة كلمة (٢).
و «كلّ شيء» يفيد العموم ؛ إلا أنه عموم عرفي في دائرة ما لمثله تجيء الأديان والشّرائع : من إصلاح النفوس ، وإكمال الأخلاق ، وتقويم المجتمع المدنيّ ، وتبيّن الحقوق ، وما تتوقّف عليه الدعوة من الاستدلال على الوحدانية ، وصدق الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وما
__________________
(١) منظومة ليست على روي واحد كذا في «كشف الظنون».
(٢) انظرها في تفسير الألوسي.